«أبى بكر» - وكان «عمر بن الخطاب» قد أخذه بعد وفاة «أبى
بكر»، ثم حُفظ بعد موته عند ابنته «حفصة» - ثم أمر «زيد بن
ثابت» - الذى جمع القرآن الجمع الأول فى عهد «أبى بكر
الصديق» - و «عبدالله بن الزبير»، و «سعيد بن العاص»،
و «عبدالرحمن بن الحارث بن هشام»، أن ينسخوه، وقال لهم: إذا
اختلفتم - يعنى فى كلمة أو كلمات- فاكتبوها بلسان «قريش»،
فإنما نزل بلسانهم، فلما نسخوه، أرسل إلى كل إقليم مصحفًا
وأمر بإحراق ما سوى ذلك، وقد سمى هذا المصحف بالمصحف
الإمام أو «مصحف عثمان». الفتنة وأسبابها: سارت الأمور فى
الدولة الإسلامية على خير ما يرام فى الشطر الأول من خلافة
«عثمان» - رضى الله عنه - (٢٤ - ٣٠هـ)،ولكن مع بداية سنة
(٣١هـ) هبت على الأمة الإسلامية رياح فتنة عاتية، زلزلت
أركانها، وكلفتها تضحيات جسيمة، واستمرت هذه الفتنة نحو
عشر سنين، شملت ما تبقى من خلافة «عثمان بن عفان»، وكل
زمن خلافة «على بن أبى طالب» -رضى الله عنهما- (٣١ - ٤٠هـ).
ومما لاشك فيه أن تلك الفتنة كانت نتيجة لمؤامرة واسعة النطاق
كانت أحكم فى تدبيرها، وأوسع فى أهدافها، وأخطر فى
نتائجها من مؤامرة اغتيال «عمر بن الخطاب» - رضى الله عنه -،
لأن اغتيال «عمر» لم يخلف آثارًا خطيرة بين المسلمين، ولم
يقسمهم شيعًا وأحزابًا كما حدث فى آخر عهد «عثمان»، ولأن
الذين خططوا لقتل «عمر» والذين قاموا بتنفيذ ذلك كانوا غير
مسلمين وغير عرب، فى حين أن الذين قتلوا «عثمان» و «عليا»
من بعده كانوًا عربًا مسلمين، وهذا هو وجه الخطورة، حتى وإن
كان التخطيط من غيرهم. والذى لاشك فيه أن الذى تولى
التخطيط للفتنة، وقتل «عثمان»، وإغراق الأمة فى بحر من
الدماء، هو «عبد الله بن سبأ» اليهودى، الذى ادعى الإسلام؛
ليتمكن من الكيد له من داخله، والذى لُقِّب بابن السوداء. وقبل
الحديث عنه يحسن تناول الظروف والأجواء التى كانت سائدة
فى عهد «عثمان» - رضى الله عنه - واستغلها «ابن سبأ»