لتحقيق أهدافه المدمرة: أولا: تغيرت الظروف فى آخر حياة
«عثمان» بل وفى بداية خلافته عما كانت عليه فى خلافة «عمر
بن الخطاب»، وربما كان هذا تطورًا طبيعيا فى حياة الأمة، فقد
كثرت الغنائم فى أيدى الناس، وبدءوا يتوسعون فى المأكل
والملبس والمشرب، وبخاصة الجيل الجديد من العرب الذى دخل
فى الإسلام بعد وفاة النبى - صلى الله عليه وسلم -، ولم يتأدب
بآدابه، ولم يتعود حياة القناعة والقصد فى المعيشة التى كان
يحياها الصحابة فى حياته - صلى الله عليه وسلم -. ولم يُرضِ ذلك
التوسع فى المعيشة صحابيا جليلا اشتهر بالزهد، هو «أبو ذر
الغفارى»، فسخط على «عثمان» وولاته وعماله، وحملهم
مسئولية ذلك التطور الاجتماعى الطبيعى الذى لم يكن من
صنعهم، وراح ينادى بتحريم امتلاك المسلم لشىء من المال فوق
حاجة يومه وليلته، واستشهد على ذلك بقوله تعالى: {والذين
يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم
بعذاب أليم}. التوبة: ٣٤]. ولم يوافق أحد من الصحابة «أبا ذر»
فيما نادى به، وكانوا يرون أن المال إذا جُمع من حلال، وأدى
عنه صاحبه حق الله وهو الزكاة: لا يعتبر كنزًا، ولا تنطبق عليه
الآية موضع الاستشهاد، والنبى - صلى الله عليه وسلم - كان يخزن
مؤنة بيوته لمدة سنة إذا كانت الظروف تسمح بذلك، وتشريع الله
للمواريث فى نظام دقيق يقتضى ترك الميت ثروة تقسم بين
ورثته، وكثير من الصحابة كانوا أغنياء على عهد النبى - صلى
الله عليه وسلم -، ولم يعب النبى - صلى الله عليه وسلم - ثراءهم،
بل يُروى أنه قال: «نعم المال الصالح للمرء الصالح». [مسند
أحمد]. وقد نصح النبى - صلى الله عليه وسلم - «سعد بن أبى
وقاص» حين أراد أن يتصدق بماله كله بقوله: «إنك إن تذر
ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس». [صحيح
البخارى، كتاب الجنائز]. ولو أن «أبا ذر الغفارى» - رضى الله
عنه - احتفظ برأيه لنفسه، لكان الأمر هينًا، ولكنه أذاعه فى