الراشدين، وأم المؤمنين (عائشة)، و (ابن عباس)، و (ابن مسعود)،
و (زيد بن ثابت الأنصارى)، و (أبى الدرداء)، و (أبى هريرة)، و (معاذ بن
جبل) رضوان الله عليهم جميعًا، غير أن هؤلاء الصحابة بقى بعضهم
فى (المدينة المنورة) و (مكة المكرمة)، وتفرق بعضهم الآخر فى
الأمصار المفتوحة، ولم يكن الواحد منهم يعلِّم علمًا واحدًا، وإنما يتكلَّم
فى علوم كثيرة، وربما تحدث فى جلسة واحدة فى الفقه والحديث
والتفسير والمغازى، والأدب شعره ونثره.
وكانت المراكز الرئيسية للحركة العلمية عندئذٍ هى المساجد، ثم
نشأت المكاتب لتحفيظ الصبيان القرآن الكريم، وتعليمهم مبادئ
العلوم الإسلامية، ثم بدأت العلوم يمتاز بعضها عن بعض، وعرف رجال
بالتفسير وآخرون بالحديث، واختص غيرهم بالفقه، ولا يعنى هذا أن
المفسر أو الفقيه لا يعرف غير ما تخصص فيه من العلم واشتهر به،
وإنما يوضع الرجل بين رجال العلم الذى برَّز فيه وأصبح حجة وإمامًا،
فالإمام (مالك بن أنس) اشتهر بالفقه وصار صاحب مذهب فقهى
معروف، لكنه من رجال الحديث الكبار، ويعرف التفسير؛ فلو لم يكن
كذلك ما استطاع أن يضع القواعد الفقهية ويستنبط الأحكام من
أدلتها التفصيلية، لأن الفقه يقوم على الاستنباط من القرآن والسنة.
ثم خطت الحركة العلمية خطوة كبيرة فى ذلك الوقت، ببدء حركة
تدوين العلوم، ولم يكن المسلمون يفعلون ذلك من قبل، وإنما اعتمد
الصحابة على الذاكرة فى الحفظ. والذين أُثِر عنهم أنهم دونوا بعض
أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة، عدد قليل،
كأبى هريرة و (عبدالله بن عمرو بن العاص)، الذى سمح له النبى
- صلى الله عليه وسلم - بتدوين أحاديثه؛ فدوَّنها فى صحيفة كان
يقول عنها: الصادقة، ويفخر أن ليس بين الرسول وبينه فيها أحد.
ومنذ منتصف القرن الأول للهجرة تقريبًا بدأت حركة التدوين بداية
متواضعة، فيُروَى أن (معاوية بن أبى سفيان) أمر بتدوين ما يرويه