له فى مجلسه (عبيد بن شرية) من تواريخ ملوك (اليمن) القدامى
وغيرهم، وكان (معاوية) مولعًا بمعرفة تواريخ الأمم السابقة، وأن
(عبد العزيز بن مروان) والى (مصر) (٦٥ - ٨٥هـ) أرسل إلى (كثير بن
مرة الحضرمى) أن يكتب له ما سمع من أصحاب رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - إلا أحاديث (أبى هريرة) فإنها موجودة عنده.
ثم جاءت الخطوة الحاسمة فى التدوين، حين أمر (عمر بن عبد العزيز)
أثناء خلافته (٩٩ - ١٠١هـ) (أبا بكر بن حزم) والى (المدينة) أن يدوِّن
أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خوفًا من ضياع العلم
وذهاب العلماء، ثم تتابعت حركة التدوين، فدوَّن (ابن شهاب الزهرى)
و (يزيد بن أبى حبيب المصرى) وغيرهما، وانتقل التدوين إلى العلوم
الأخرى، فدون الفقه والتفسير وغيرهما.
وشجع الخلفاء الأمويون الحركة العلمية بصفة عامة، وحركة التدوين
بصفة خاصة، وبدأ فى عصرهم ظهور طبقة المعلمين، لأن الخلفاء
أنفسهم كانوا مهتمين بتعليم أولادهم، وبخاصة العلوم الإسلامية،
فاختاروا لهذه المهمة أصلح المعلمين الذين كانوا يسمون أيضًا
بالمؤدبين، ولم تكن مهمتهم تعليمية فحسب، بل كانت تربوية أيضًا.
ومن أشهر هؤلاء المعلمين: (دغفل بن حنظلة الشيبانى)، واختاره
(معاوية بن أبى سفيان) لتعليم ابنه (يزيد) وتهذيبه، و (الضحاك بن
مزاحم) و (عامر بن شراحبيل الشعبى) و (ابن أبى المهاجر)، وهؤلاء
الثلاثة من كبار التابعين، واختارهم (عبد الملك بن مروان) لتعليم
أولاده وتأديبهم.
وقد حذا أشراف الناس والأغنياء حذو الخلفاء فى تعليم أولادهم على
أيدى مربين ومؤدبين، مما أعطى دفعة للحركة العلمية فى ذلك
العصر.
وعلى الرغم من ضياع المدونات والمؤلفات التى كتبت فى العصر
الأموى، فإن معظم محتوياتها وصلت إلينا فى المؤلفات الكثيرة التى
ألفت فى العصر العباسى، فمرويات (الطبرى) عن غزوات الرسول
- صلى الله عليه وسلم -، وسيرته أخذها ممن رواها عن كتَّاب المغازى