محمد بن إسحاق:
وُلد فى (المدينة) سنة (٨٥هـ) فى خلافة (عبدالملك بن مروان)، وتتلمذ
لأبيه الذى كان محدثًا فقيهًا، ولغيره من كبار التابعين فى (المدينة)،
مثل: (القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق)، و (سالم بن عبدالله بن
عمر)، و (أبان بن عثمان بن عفان)، و (نافع مولى عبدالله بن عمر)،
و (أبى سلمة بن عبدالرحمن بن عوف)، و (محمد بن مسلم بن شهاب
الزهرى)، ثم رحل (ابن إسحاق) إلى (مصر) سنة (١١٥هـ)، والتقى
بعلمائها الكبار، وفى مقدمتهم: (يزيد بن أبى حبيب)، وزار
الإسكندرية، ثم عاد إلى (المدينة) ليواصل دراسته، ثم رحل إلى
(العراق) بعد قيام الدولة العباسية، وقضى فيها بقية حياته، حتى
تُوفِّى سنة (١٥١هـ).
وهناك إجماع بين العلماء على إمامة (ابن إسحاق) لعلم السيرة
والمغازى، فقد حفظ فى كتابه معظم روايات السابقين وآثارهم
العلمية، وكل من أتى بعده عالة عليه فى هذا العلم كما قال الإمام
(الشافعى).
ولابن إسحاق كتابان:
أحدهما عنوانه (كتاب الخلفاء)، وهو مفقود حتى الآن.
والآخر: كتاب (السيرة والمبتدأ والمغازى) وهو أقدم كتاب وصل إلينا
عن سيرة الرسول ومغازيه، وأوفاها علمًا، وإذا كان لم يظهر إلى
الوجود كاملا حتى الآن، فإنه جاء إلينا فى صورة تكاد تكون كاملة
عن طريق (عبدالملك بن هشام)، المتوفَّى سنة (٢١٨هـ)، الذى أخذ
سيرة (ابن إسحاق) ورواها عن شيخه (زياد بن عبدالله البكائى)،
الذى رواها مباشرة عن شيخه (ابن إسحاق).
وقد قام (ابن هشام) بتهذيب سيرة (ابن إسحاق)، وحذف كثيرًا من
الشعر والروايات التى لم يرَ ضرورة لذكرها، وقد عرف عمله هذا
بسيرة (ابن هشام)، ولاشك أنه أسدى إلى العلم بصفة عامة وإلى
علم السيرة والمغازى بصفة خاصة خدمة جليلة، بحفظه هذا السفر
الضخم الذى كان مصدرًا لكل كتاب السيرة والمغازى بعد ذلك، مثل
(الواقدى) المتوفَّى سنة (٢٠٧هـ)، وتلميذه (محمد بن سعد) المتوفى