كان فى مقدمتها فتح مدينة «القسطنطينية»، عاصمة الدولة
البيزنطية، العدو اللدود للدولة الإسلامية، ولعله كان يستهدف
بسقوطها سقوط الدولة نفسها، كما هو الحال بالنسبة إلى دولة
الفرس التى لم تستطع الصمود بعد سقوط «المدائن» عاصمتها.
وكانت «القسطنطينية» تُعدُّ من أمنع المدن فى العالم، لموقعها
الفريد على القرن الذهبى الممتد فى مياه «خليج البسفور»؛ حيث
تحيط بها المياه من الشرق والشمال والجنوب، أما فى الناحية
الغربية المتصلة بالبّر، فقد أقام الأباطرة البيزنطيون سلسلة من
الأسوار والأبراج لحمايتها من أية هجمات.
ولم يثنِ ذلك كلُّه عزيمة «معاوية» عن فتح عاصمة البيزنطيين،
فاستولى على الجزر البيزنطية الواقعة شرقى «البحر المتوسط».
مثل: «رودس»، و «كريت»، و «أرواد»؛ ليتخذها محطات للأسطول
الإسلامى، تمهيدًا لغزو «القسطنطينية».
ولما أكمل استعداداته جهز أول حملة بحرية إليها، بقيادة «سفيان
بن عوف» وجعل ابنه «يزيد» أميرًا شرفيا عليها، سنة (٤٩هـ)،
وشارك فى هذه الحملة عدد من الصحابة، مثل «عبدالله بن عمر»،
و «عبدالله بن عباس»، و «أبى أيوب الأنصارى».
ولم تنجح هذه الحملة فى تحقيق أهدافها؛ بسبب مناعة المدينة،
وبرودة الجو الشديدة على العرب، فعادوا بعد أن استشهد عدد من
الأبطال، منهم «أبو أيوب الأنصارى» الصحابى الجليل.
وقد تنبأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذه الغزوة، ووعد أهلها
المغفرة، فقال: «أول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لهم» [صحيح
البخارى].
الحصار الثانى:
على الرغم من عدم التوفيق الذى لحق الحملة الأولى، فإن «معاوية»
لم ييأس، وأعد حملة أخرى، وفرض الحصار على المدينة سبع سنوات
(٥٤ - ٦٠هـ)، واقتصرت العمليات الحربية على فصلى الربيع والصيف؛
لصعوبة القتال فى الشتاء.
وقد أبلى المسلمون فى ذلك الحصار بلاءً حسنًا، وتحمَّلوا الصعاب
والمشقات، لكنهم لم يستطيعوا الاستيلاء عليها، فقد فاجأ