للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤرخون «جيش الطواويس»؛ لضخامته وحسن إعداده، وأمره

بالتوجه إلى «سجستان» شرقىّ بلاد فارس؛ لمعاقبة ملكها «رتبيل»

الذى نقض المعاهدة التى بينه وبين المسلمين، وفتح حدود بلاده

للخارجين على الدولة الأموية، موفِّرًا لهم الأمن والحماية، فصبر عليه

«الحجاج» على مضض، إلى أن فرغ من أمر الخوارج وقضى على

«ابن الزبير»، فأرسل إليه هذا الجيش الهادر لتأديبه والقصاص منه.

وبدلا من أن يمضى «عبدالرحمن بن الأشعث» لأداء المهمة المكلَّف

بها، وقتال ملك كافر متمرد على الدولة، ارتد ثائرًا عليها، وشجعه

على ذلك استجابة أهل «العراق» للثورة ورغبتهم فى التمرد على

الدولة، وكانوا أغلبية فى الجيش الذى بلغ عدده مائة ألف مقاتل.

وزاد الأمر سوءًا انخداع بعض العلماء من كبار التابعين بدعوة «ابن

الأشعث»، فصدَّقوا دعواه بأنه إذا بويع بالخلافة فسيحكم بالعدل،

ويعيد حكم الراشدين ويمحو مظالم «بنى أمية»، فاستجابوا له،

وكان على رأسهم: «عامر الشعبى»، و «سعيد بن جبير» الذى جعله

«الحجّاج» أمينًا على الأموال التى ينفق منها على الجيش، وكان

لموقفهم هذا أثر كبير فى تمادى «ابن الأشعث» فى الثورة

واستجابة الجنود له، وترتَّب على ذلك أعنف ثورة واجهت «عبدالملك

بن مروان»، دامت نحو سنتين (٨١ - ٨٣هـ)، ودارت بينهما نحو ثمانين

موقعة، قتل فيها عشرات الألوف من الرجال، وكان أشهرها معركة

«دير الجماجم» التى استمرت مائة يوم، وانتهت بهزيمة «ابن الأشعث»

فى شهر جمادى الآخرة سنة (٨٣هـ).

لجأ «ابن الأشعث» بعد هزائمه إلى «رتبيل» ملك «سجستان»، وكان

قد عقد معه اتفاقًا على أن يوفر له الحماية إذا هُزِم، لكن «الحجاج»

طلب من «رتبيل» أن يسلمه «ابن الأشعث»، فعزم على تسليمه؛ لأنه

كان حريصًا على عدم إثارة «الحجاج» أكثر من ذلك، فلما أحس «ابن

الأشعث» بنية «رتبيل» على تسليمه، ألقى بنفسه من فوق القصر

الذى كان يقيم به، فمات منتحرًا سنة (٨٥هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>