وكانت الظروف مواتية له تمامًا، فالدولة الأموية كانت عندئذٍ فى
أحسن حالاتها استقرارًا وهدوءًا وثراءً، فاجتمع لقتيبة مهارة
القائد، وعزم الوالى - «الحجاج» - وتشجيعه، وقوة الدولة وهيبتها،
فكانت فتوحاته العظيمة فى بلاد «ماوراء النهر».
ولم يكن «قتيبة» قائدًا عسكريا فذا فحسب، بل كان إلى جانب ذلك
رجل دولة، وصانع سياسة، وواضع نظم وإدارة، فعمل بعد تسلمه
أمور الولاية على القضاء على الخلافات العصبية التى كانت تعصف
بالقبائل العربية فى «خراسان»، من جراء التنافس فى الولايات،
وجمع زعمائهم.
ولم يكتفِ «قتيبة» بتوحيد صفوف القبائل العربية تحت راية الجهاد،
بل عمل على كسب ثقة أهل «خراسان» الأصليين، فأحسن إليهم،
وقرَّبهم وتودَّد معهم، وعهد إليهم بالوظائف، فاطمأن الجميع إليه،
ووثقوا به وبقيادته.
مراحل الفتح:
مرت خطوات «قتيبة» فى فتح تلك البلاد التى استمرت نحو عشر
سنوات (٨٦ - ٩٦هـ) عبر مراحل أربع هى:
- المرحلة الأولى (٨٦ - ٨٧هـ):
وفيها أخضع «قتيبة بن مسلم» إقليم «طخارستان»، الواقع على
ضفتى نهر «جيحون»، ويبدو أن أوضاعه لم تكن قد استقرت
للمسلمين تمامًا، منذ أن فتحه «الأحنف بن قيس» فى خلافة «عثمان
بن عفان»، وكانت تلك بداية ناجحة، فبدون توطيد أقدامه فى
«طخارستان» لم يكن ممكنًا أن يمضى لفتح «ما وراء النهر»، وأصبح
يتمتع بهيبة كبيرة فى تلك البلاد؛ فما إن يسمع الملوك بمسيره
إليهم، حتى يسرعوا إلى لقائه وطلب الصلح.
- المرحلة الثانية (٨٧ - ٩٠هـ):
وفيها فتح «قتيبة» إقليم «بخارى»، بعد حروب طاحنة، وانتظام
حملاته عليها، وكان الغزو يحدث فى الصيف، لأن شتاء تلك البلاد
كان قاسيًا شديد البرودة على العرب، لكنهم صبروا وجاهدوا حتى
تمَّ لهم الفتح.
والحقيقة أن جهل أهل البلاد بالإسلام، وتصورهم أن المسلمين جاءوا
للاستيلاء على خيرات بلادهم، هو الذى جعلهم يقاومونهم، لكنهم لما