قبضة يديه بالفعل، لكنه أراد أن يصبغ حكمه بالصبغة الشرعية،
وأن تكون له رسوم الملك والخلافة، ويقوم بتأسيس دولة تحل
محل دولة بنى أمية، لكن الظروف لم تكن مهيأة فالناس لاتميل
كثيرًا إلى المنصور؛ بسبب الوسائل الدموية التى لجأ إليها
لتصفية خصومه. الجيش فى عهد المنصور: أعطى المنصور
اهتمامًا كبيرًا للجيش، فعنى بتنظيمه، واستقدم قوات تعد
بالألوف من المرتزقة من قبائل زناتة وصنهاجة وغيرهما من
البربر ومن الجند النصارى، وكون من هؤلاء جميعًا جيشًا ضخمًا
ضمن ولاءه له بجوده ووفرة عطاياه، كما غير من نظام الجيش،
فقدَّم رجالات البربر وأخَّر زعماء العرب وفرق جند القبيلة
الواحدة، وكان الخليفة الناصر من قبله قد مهد له الطريق عندما
سحق القبائل العربية وأضعف هيبتها حسبما أشرنا من قبل،
أى أن ابن أبى عامر وجد الطريق ممهدًا، فلم تلق سياسته كبير
معارضة. وقد نفر المحاربون القدماء والأندلسيون بشدة من ذلك
الجيش وسعِدَ «ابن أبى عامر» بهذا النفور لأنه يقف حائلا بين
عناصر الجيش القديم وبين اتحادها ضده، كما أنه يشعر البربر
بضرورة الاعتماد عليه. ومن أهم ما فعله فصل جيش الحضرة
(قرطبة) عن الجيش العام، وتعيين نفسه قائدًا له، فأصبح قوة
عسكرية، وفتحت له والدة الخليفة بيت المال ظنا منها أنه يعمل
لحسابها وحساب ابنها، فأكثر من الجند، وأصبح مستبدا
عسكريا، وتحوَّل من فقيه إلى رجل سياسة، وملك من القوة
العسكرية ما لم يملكه من سبقوه، فالناصر رغم ميله إلى
الاستبداد كان يقف عند حد معين، ويعلم أنه من المستحيل
القضاء على النصارى فيكتفى بإضعافهم وحملهم على أداء
الجزية، أما المنصور فتتوالى ضرباته دون أن يحاول ضم جزء
إلى أراضى الخلافة، أو إسكان بعض المسلمين فى الأراضى
التى يفتحها وإنما يضرب ويحوز الغنائم ويعود النصارى إلى ما
كانوا عليه، وكأنه لم يكن يهدف إلا إلى ذلك. وجدير بالذكر أن