كان منصفًا عادلا يزجر الظالم حتى لو كان من كبار حاشيته،
وكان صبورًا حليمًا، ولكنهم ينعون عليه شغفه بمعاقرة الخمر،
ولم يتخل عن ذلك إلا قبل وفاته بعامين. وتميز المنصور بأنه كان
شغوفًا بالعلم والأدب، محبا للعلماء والأدباء والشعراء ويناظرهم
ويشترك معهم فى نظم الشعر ويغدق عليهم، ساعده على ذلك
نشأته فى بيت علم وأدب، وبراعته فى علوم الشريعة وفنون
الأدب خلال فترة صباه. وحرص المنصور على نشر العلم والمعرفة
بين طبقات الشعب، فأنشأ كثيرًا من دور العلم فى قرطبة وأنفق
عليها، وكان يزور المساجد والمدارس، ويمنح المكافآت
للمتفوقين من الطلاب، كما حرص على جمع الكتب ومكافأة
أصحابها، وقد منح «صاعد البغدادى» (٥٠٠) دينار مكافأة له
على كتابه «الفصوص»، وكان يكره الفلسفة، ويرى أنها مخالفة
للدين كما كان يبغض التنجيم ويطارد المنجمين، وقد استخرج من
المكتبة الأموية جميع كتب الفلاسفة والدهريين وأحرقها بحضرة
كبار العلماء، وما فعله «المنصور» أمر خطير، تسبب فى ضياع
ثروة علمية عظيمة. ونظرًا للشهرة الواسعة التى حققها المنصور،
جاء إليه بعض ملوك النصارى واستعطفوه وتقربوا إليه وزوجوه
من بناتهم. ويرى بعض المؤرخين المعاصرين أن «ابن أبى عامر»
من أعظم الرجال وأنه قام بما لم يقم به أحد فى تاريخ الإسلام،
فقد استطاع الاستيلاء على الحكم فى دولة كبرى، وهى فى
أوج سلطانها ووجه أمورها بصورة مستبدة. ومع ذلك فإن هنا
أمورًا ثلاثة هى أكثر ما أضر به المنصور: ١ - إقامته ملكه على
جند مرتزقة تعالوا على الناس، واصطناعه لبيوت جديدة من
زعانف الأسر، وصغار الفقهاء والطامعين، وتوليتهم وظائف
القضاء والولايات، وقد أثقل هؤلاء على الناس، وأرهقوهم
بالمطالب، واستولوا على أموالهم، ومن هؤلاء بنو عباد فى
إشبيلية، ومن البربر الذين استعان بهم فى النواحى، بنو الأفطس
فى بطليوس، وبنو ذى النون جنوب غربى طليطلة - بالإضافة