فتناول النظر فى الدعاوى التى تتضمن إثبات الحقوق والحكم
بإيصالها إلى أصحابها، كما نظر فى الأموال التى ليس لها ولى
معين، وكذلك تناول تعيين أوصياء لليتامى، وتفقد أحوال
المحجور عليهم من المجانين والمفلسين وأهل السفه، ونظر
-أيضًا - فى وصايا المسلمين، وكان القضاة ينظرون فى مصالح
الأوقاف، ويعملون على حفظ أصولها وتثبيت فروعها، وقبض
ريعها وإنفاقه فى مصاريفه، وكذلك كانوا يقبضون المال
الموصى به لتنفيذ الوصية، وعهد إليهم بتسلم أموال المواريث
المتنازع عليها، وأموال مَنْ يموتون غرباء وحفظها حتى يحضر
ورثتهم. وانحصرت سلطة القضاة الأربعة ونوابهم على المدنيين،
بينما كان للجيش المملوكى ثلاثة قضاة عُرف كل منهم باسم:
«قاضى العسكر»، واختصوا بشئون العسكر للفصل فى القضايا
الخاصة بهم، أو التى بينهم وبين المدنيين، وكانت جلسات
القضاء فى دولة المماليك تعقد علانية ويحضرها مَنْ شاء من
الناس، وكانت المساجد مكان انعقاد هذه الجلسات، كما كانت
دور القضاء الخاصة مكانًا لها أحيانًا؛ إذا لم يكن هناك دور
معينة لانعقادها، فإذا جلس القاضى للفصل فى الخصومات رتب
القضايا بحسب حضور الخصوم؛ حتى لا يتقدم أحد على الآخر
لمكانته أو ثرائه، وكان يستعين على تنظيم قاعة الجلسة بعدد
من الموظفين منهم: «الجلواز»، و «الأعوان»، و «الأمناء»،
و «العدول»، فكان الرجال يجلسون فى جانب والنساء فى
الجانب الآخر. وقد بلغ راتب القاضى خمسين دينارًا شهريا، عدا
ما كان يحصل عليه من الأوقاف التى كان يتولى إدارتها،
بالإضافة إلى ما كان يجرى عليه من الغلال والشعير والخبز
واللحم والكساء. كان تنظيم القضاء فى دولة المماليك تنظيمًا
دقيقًا، وبرز فى هذه الدولة قضاة عرفوا بالنزاهة وطهارة الذمة
وحسن السيرة، احترموا مركزهم القضائى، ولم يقبلوا تدخل أحد
- مهما يعلُ مركزه - فى أعمالهم، وكثيرًا ما كانوا يطلبون
إعفاءهم من مناصبهم - دون تردد - إذا ما حاول أحد تهديد