بيبرس» أول من جلس للمظالم من سلاطين المماليك، وهو الذى
أقام دار العدل فى سنة (٦٦١هـ)، وقد خصص يومى الاثنين
والخميس من كل أسبوع ليجلس فيهما للفصل فى القضايا المهمة،
ويحيط به قضاة المذاهب الأربعة، وكبار الموظفين الإداريين
والماليين، وكاتب السر. وظلت دار العدل مقرا لمحكمة المظالم -
التى كانت تعقد جلساتها برئاسة السلطان - حتى جاء السلطان
«قلاوون» وبنى الإيوان الخاص، واتخذه مقرا لهذه المحكمة فى
سنة (٦٧٩هـ)، ولم تكن محكمة المظالم تنظر فى قضايا الأفراد
فحسب، بل كانت تنظر فى شكاوى الناس كافة، ويذكر
«المقريزى» أن السلطان «بيبرس» عُرضَت عليه فى سنة (٦٦٢هـ)
قضية رجل من عِلْية القوم وذكر فيها أن «المعز أيبك» قد
اغتصب منه بستانًا، وقدم ما يثبت ملكيته لهذا البستان، فأمر
«بيبرس» برد البستان إليه. وقد قام «بيبرس» بخفض ثمن الغلال
فى سنة (٦٦٣هـ) بعد أن ارتفع ثمنها، ولذا تميز النظام القضائى
فى عهد المماليك بالحيدة والنزاهة وتحقيق العدل بين الرعية.
المنشآت الحضارية فى عهد المماليك: حفلت كتب التاريخ التى
تناولت عهد المماليك بذكر الآثار التى خلَّفها هذا العصر، والتى
مازال معظمها شاهد صدق على مدى عظمة هذه الدولة حتى
الآن، فقد تقدمت فنون البناء والعمارة والزخرفة، وتوافرت
الأموال اللازمة لها خلال هذا العهد المجيد من تاريخ العالم
الإسلامى، فقد قام «الظاهر بيبرس» ببناء مسجده، المعروف
باسمه بميدان الظاهر بالقاهرة فى عام (٦٦٥هـ)، وجلب لبنائه
الرخام والأخشاب وأدوات البناء من سائر البلاد، وزيَّنه بزخارف
الجص، فأصبح مثالا للمساجد الكبيرة الضخمة التى شُيدت فى
عهد دولة المماليك البحرية. كما قام «بيبرس» ببناء برج لقلعة
الجبل، وشيد «قناطر السباع» على «الخليج المصرى»، وقد
عُرفت هذه القناطر بهذا الاسم؛ لأن «بيبرس» نصب عليها سباعًا
من الحجارة، كما أصلح منارتى «رشيد» و «الإسكندرية». أما