الضعف والانحلال جعلت بعض المؤرِّخين يُطْلِقون عليها اسم عصر
الطوائف الأول. وُلِد الأمير (محمد (سنة (٢٠٧هـ= ٨٢٢م) وكان له
نشاط جمٌّ على أيام والده؛ مما رشَّحه للإمارة من بعده، ولقد
واجهته مع بداية حكمه ثورة مدينة طُلَيْطِلة، التى اضطرته إلى أن
يخرج بنفسه على رأس قواته لتأديب المدينة وإلزامها بالطاعة
والسكون، ولكن (طليطلة (لم تهدأ ولم تخمد، وأضحت موئلا
للثائرين والمتمردين، وساعد على ذلك وجود جالية كبيرة من
النصارى المستعربين، والقساوسة المتعصبين، كما أن المدينة
كانت تتلقى المساعدات والتحريض من الممالك المسيحية شمالى
الأندلس، وكان لثوراتها صدى لدى المستعربين فى (قرطبة (
والمدن الإسلامية الأخرى، وبذل الأمير جهدًا كبيرًا فى إخماد هذه
الثورات. كما حاول الأمير (محمد (أن يقارع ممالك النصارى
الشمالية؛ فخرج بنفسه على رأس قواته، سنة (٢٤١هـ= ٨٥٥م)
إلى (ألبة (، و (القلاع (، وافتتح عددًا من الحصون، كما أرسل فى
العام التالى حملة إلى أحواز برشلونة. ولقد عاود النورمانديون
غزو بلاد الأندلس، والإغارة على شواطئها، وذلك فى سنة
(٢٤٥هـ= ٨٥٩م)، ولم تتمكن الجيوش الإسلامية من التصدى لهم
تمامًا؛ مما مكَّنهم من العبث بالشواطئ الغربية للأندلس، بل
وصلوا إلى عدوة المغرب، ثم نزلوا بالشاطئ الجنوبى للأندلس.
وقامت ثورة خطيرة ضد الأمير فى شمال الأندلس تزعَّمها (موسى
بن موسى (، وأبناؤه من بعده، وشغلت هذه الثورة الأمير
(محمدًا (سنوات طويلة. وقامت ثورة أخرى فى (ماردة (،
و (بطليوس (، تزعَّمها (عبد الرحمن بن مَرْوان (، المعروف
(بالجليقى (، استمرت سنوات طويلة، وأيدها (ألفونسو الثالث (،
ملك ليون، وشغلت هذه الثورة الأمير سنوات طوالا، بل أحرزت
عددًا من الانتصارات على قواته، وأسر فيها (هشام بن عبد
العزيز (، وزير الأمير (محمد (. وخلال هذه الفترة العصيبة اندلعت
ثورة أخرى فى جنوبى الأندلس تزعَّمها (عمر بن حفصون (، الذى