عامًا، فكانت أطول مدة يقضيها خليفة عباسى فى هذا المنصب حتى
عصره.
كان الخليفة «القادر بالله» يتحلى بصفات جعلته إحدى الشخصيات
المتميزة فى تاريخ «الخلافة العباسية»، فقد كان راجح العقل وافر
الحلم، مؤثرًا للخير، ظاهر الكرم، جميل الأخلاق، آمرًا بالمعروف
وناهيًا عن المنكر، كما كان شغوفًا بالعلم محبا لأهله، مستقيم
الطريقة فى الدين بعيدًا عن البدعة، متواضعًا، عزوفًا عن مظاهر
الأبهة والتكلف، فكان يخرج من داره فى زىِّ العامة، ويزور قبور
الصالحين، وكان عادلاً وصولاً ظاهر البر باليتامى والمساكين، قوى
الشخصية، يحظى بالاحترام والتبجيل؛ فلم يتعرض لما تعرض له غيره
من السابقين له من مهانة خلال فترة اضمحلال الخلافة، ورغم ما
تعرضت له الخلافة من ظروف وأحداث وتغلغل نفوذ الترك والفرس فإن
«القادر بالله» استغل كل ما أتيح له من إمكانات، وقدَّم أفضل
نموذج يمكن أن نتوقعه لخليفة عباسى فى ضوء تلك الظروف.
شهد القرنان (٤و٥ هـ= ١٠و١١م) قمة الازدهار الحضارى بمظاهره
المختلفة فى أرجاء العالم الإسلامى بصفة عامة وفى «دولة الخلافة
العباسية» بصفة خاصة؛ ويمثل عصر «القادر بالله» زبدة الحضارة
الإسلامية فى هذين القرنين، وهكذا كانت الأوضاع الحضارية أحسن
حالاً من الأوضاع السياسية خلال تلك الفترة.
رابعًا: خلافة القائم بأمر الله ونهاية عصر النفوذ البويهى (٤٢٢ -
٤٤٧هـ = ١٠٣١ - ١٠٥٥م):
تولى «القائم بأمر الله» (أبو جعفر عبدالله بن القادر) الخلافة فى
اليوم الذى تُوفِّى فيه أبوه «القادر بالله» فى ذى الحجة سنة (٤٢٢هـ
= ١٠٣١م)، وعمره ثلاثون عامًا، وقد لقبه أبوه - قبل وفاته - بالقائم
بأمر الله.
وقد زادت الأوضاع الداخلية فى «دولة البويهيين» فى عهده تدهورًا
وانحطاطًا، وأصبحت الدولة جسمًا بلا روح، فقد استمرت أمور
«العراق» فى فوضى واضطراب؛ بسبب الصراع بين «جلال الدولة»
و «أبى كاليجار» على السيطرة عليه، وضعفت مكانة «جلال الدولة»،