عرض الصلح على «الحسن القرمطى» و «أفتكين»، وتمت له الموافقة
على هذا الصلح بشرط أن يخرج من باب عُلِّق عليه سيف «أفتكين»،
ودرع «الحسن»، فوافق وخرج ناجيًا برجال حملته بعد أن كانوا قاب
قوسين أو أدنى من الهلاك، وعاد إلى «القاهرة».
لم ييأس الخليفة «العزيز» من تحقيق مراده، وخرج بنفسه على رأس
الجيش إلى «الشام»، وأعطى الأمان للقائد التركى، فرفضه، ودارت
رحى الحرب بين الفريقين فى معركة شرسة، تطايرت فيها النبال
كالأمطار، ولمعت السيوف كالبرق، واشتد الغبار، وانجلت المعركة
عن عشرين ألف قتيل من جيشى القرامطة و «أفتكين»، وأُسِر
«أفتكين»؛ ففداه «العزيز» من أسره بمائة ألف دينار - بإيعاز من
«جوهر» - وحمله إلى «القاهرة»، ثم عفا عنه وأنزله بدار فسيحة،
وأجرى عليه الرزق حتى مات سنة (٣٧٢ هـ)، على عكس ما كان
متوقعًا، وما هو متبع فى مثل هذه الظروف.
صفا «الشام» للفاطميين، وامتد ملكهم من بلاد «الشام» شرقًا إلى
ساحل «المحيط الأطلسى» غربًا، ومن «آسيا الصغرى» شمالا إلى
بلاد «النوبة» جنوبًا، وخُطب للعزيز بالموصل وأعمالها سنة (٣٨٢هـ)،
وضُرب اسمه على العملة، وكُتب على الأعلام، وخُطب له باليمن - كما
فُتحت له «حمص» و «حماة» و «شيزر» و «حلب»، فانصرف إلى نشر
عقائد المذهب الشيعى، وأصبحت دواليب الإدارة كلها فى يد الشيعة.
الحاكم بأمر الله:
بويع «أبو على منصور الحاكم بأمر الله» بالخلافة وهو فى الحادية
عشرة من عمره، وعين أستاذه «برجوان» التركى وصيا عليه؛ لذا لم
يكن للحاكم من أمره شىء حتى تم القضاء على الوصى، وحل محله
«ابن عمار الكتامى» المغربى وصيا ووزيرًا، فاستبد بالأمر، ولم يسلم
من شره أحد، سواء كان من الشيعة أو من السنة أو من أهل الذمة،
وكذلك ساءت سيرته بين الجند، فنشب القتال فى شوارع «القاهرة»
و «الفسطاط»، وطالب الجميع بحياة «ابن عمار»، ولكنه اختفى،
وأصبح زمام الأمور فى يد «الحاكم»، وهو بعد فى الخامسة عشرة