التدريس فيه، حيث أملى على الطلاب مختصر أبيه «القاضى النعمان»
فى الفقه على المذهب الشيعى، كما كان «العزيز بالله» أول مَنْ
حَوَّل «الأزهر» من مسجد تُقام فيه الصلاة إلى جامعة تُدرس فيها
العلوم، وهو أول مَن أجرى الأرزاق على طلاب العلم فيه، وتبعه فى
ذلك الخلفاء والأمراء والوزراء؛ فبنوا الأروقة لتكون منازل مُعَدَّة
لسكنى الطلاب، وجعلوا لكل بلد رواقًا خاصا بطلابه، فكان هناك
رواق الصعايدة، ورواق المغاربة، ورواق الأكراد .. الخ.
وبنى «العزيز بالله» قصورًا عديدة فى «عين شمس»، وأسس «قاعة
الذهب»، وبدأ بناء مسجد أتمه ابنه «الحاكم» وفرشه بستة وثلاثين
ألف متر من الحصر، وأضاءه بالقناديل، وعلَّق على أبوابه الستور
الحريرية، وحبس عليه أملاكًا كثيرة لرعايته والإنفاق عليه، وفى سنة
(٣٩٥هـ) أنشأ «الحاكم» «دار الحكمة» وألحق بها مكتبة كبرى أطلق
عليها اسم «دار العلم»، وأنشأ «الظاهر» «قصر اللؤلؤ»؛ الذى يُعدُّ
من أجمل قصور العصر الفاطمى، وظل مكانًا يلجأ إليه الخلفاء من
بعده وقت فيضان النيل.
ولنا أن نشير إلى اهتمام خلفاء الدولة الفاطمية ووزرائها بإقامة
المنشآت على النيل؛ لتوزيع المياه بطريقة تكفل زراعة أكبر مساحة
من الأراضى.
الحالة الاقتصادية:
وجَّه الفاطميون اهتمامهم إلى الزراعة والصناعة والتجارة، وفرضوا
الضرائب على بعض المنتجات، فقد قاست «مصر» الأمرَّين فى أواخر
الدولة الإخشيدية؛ حيث انخفض ماء النيل، وعم القحط وانتشر الوباء
لدرجة أن الناس عجزوا عن تكفين موتاهم، فلما فتح «جوهر»
«مصر»، منع احتكار الحبوب، وعهد إلى المحتسب برقابتها فى
الأسواق، ثم عاد الخير إلى «مصر» ثانية بعودة مياه النيل إلى
الزيادة، فبلغت الأرض المنزرعة فى عهد «المعز» (٢٨٥ ألف فدان)،
وارتقت البلاد زراعيا بفضل إنشاء القناطر وإقامة السدود، وتنظيف
الترع والمصارف، ثم حدثت المجاعة التى عُرفَت بالشدة العظمى فى
عهد «المستنصر».