للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لاحتياجات جموع «الإباضية» التى استقرت بالمغرب الأوسط، وقد

توافرت لهذه المدينة أسباب الأمن والحماية؛ فهى منطقة داخلية

يتخللها نهران هما: «نهر مينة» الذى يجرى فى جنوبها مارا

بالبطحاء، ونهر آخر بشرقها يجرى من «عيون تاتش»، ومنه شرب

أهلها، ورووا بساتينهم وزراعاتهم، فتمتعت بالمراعى الواسعة،

والأراضى الزراعية المتنوعة، التى أسهمت فى ازدهار اقتصادها،

ورخاء أهلها الذين قامت على أكتافهم «الدولة الرستمية»؛ لأنهم من

القبائل التى كانت تدين بالمذهب الإباضى فى هذه المنطقة.

ولاشك أن وقوع العاصمة الرستمية «تهيرت» وسط معاقل «الإباضية»

المؤيدين لها ولمذهبها، كان له أكبر الأثر فى حمايتها واستقرارها،

ومنحها الفرصة كاملة لأداء دورها السياسى والحضارى بالمنطقة،

وانفرادها بحكم نفسها فى ظل زعامة إباضية، بعد أن تخلصت من

سيطرة الأمويين، ثم العباسيين من بعدهم.

وقد أحيطت المدينة بسور عظيم تتخلله مجموعة من الأبواب، لحمايتها

من هجمات أعدائها، وأنشئت بالقرب منها عدة حصون دفاعية، فضلا

عما أنشىء بداخلها من مساجد ودور وقصور، وأسواق عامرة،

حفلت بها، حيث إنها كانت ملتقى القوافل التجارية القادمة من جنوب

الصحراء، والمتجهة إليها، كما كانت ملتقى تجار الشرق والغرب،

وقد وفرت لها مراعيها الشاسعة ثروة حيوانية كبيرة؛ فضلا عن

الصناعة التى قامت بها على بعض المعادن التى استُخرجت من

باطنها، فأحدث ذلك كله رواجًا اقتصاديا، وانتعاشًا انعكست آثاره

على رفاهية السكان.

ج - فاس:

هى عاصمة «دولة الأدارسة»، وقد بدأ «الإمام إدريس» بناءها على

الجانب الشرقى لنهر «فاس» فى سنة (١٩٢هـ= ٨٠٨م)، لازدحام

العاصمة القديمة «وليلى» بالوفود العربية التى قدمت من «القيروان»

و «الأندلس»، فضلا عن خوف «إدريس» من نوايا بعض جموع البربر

المحيطين به، وكان اختيار هذا المكان عاصمة لدولتهم صائبًا؛ فهو

فسيح تحيط به الأشجار والحشائش، وتنفجر المياه فيه من عيون

<<  <  ج: ص:  >  >>