يتولى أمورهم؛ لأنها تخضع لتطور الظروف والأحوال، ومن هنا كان
فى ترك النبى لهذا الأمر مصلحة للمسلمين، حتى لا يقيدهم بشخص،
أو بطريقة معينة، وقد فهم الصحابة مراد نبيهم وقصده من عدم
التعيين، وتصرفوا على أساسه.
وكل ما يمكن قوله فى هذه المسألة الخطيرة أن النبى أومأ إيماءة
خفيفة ذات مغزى بتقديمه «أبا بكر» ليؤم المسلمين فى الصلاة أثناء
مرضه، وكأنه - عليه الصلاة والسلام - قد رشح «أبا بكر» للخلافة
مجرد ترشيح وليس إلزامًا، وكأنه أراد أن يقول: إذا رأيتموه جديرًا
بالخلافة وأهلا لها وقادرًا على تحقيق مصلحتكم فى دينكم ودنياكم،
فأنتم وذاك، وإلا فلتروا رأيكم.
والخلاصة أن ببيعة «أبى بكر» العامة فى مسجد رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فى اليوم التالى لوفاته قامت دولة الخلفاء الراشدين،
التى استمرت نحو ثلاثين عامًا (١١ - ٤٠هـ).
الخليفة الأول ١١ - ١٣):
هو «عبد الله بن عثمان بن عامر»، من قبيلة «تيم بن مرة بن كعب»،
وفى «مرة بن كعب» يلتقى نسبه مع نسب النبى - صلى الله عليه
وسلم -، وأمه «أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر»، تيمية كأبيه
وكنيته: «أبو بكر»، ولقبه: «عتيق».
ولُد «أبو بكر» سنة (٥٧٣م) بعد مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم -
بثلاثة أعوام، ونشأ فى «مكة»، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه
لغير واحد من الأمر؛ لعلمه وتجارته وحسن مجالسته.
وعُرف «أبو بكر» بترفعه عن عادات الجاهلية، وما كانوا يقترفونه
من مجون وشرب خمر، وارتبط قبل البعثة بصداقة قوية مع رسول الله
- صلى الله عليه وسلم -، وكان الاتفاق فى الطباع وصفاء النفس من
أقوى الروابط بين النبى و «أبى بكر».
إسلامه:
تُجمع مصادر السيرة والتاريخ على أن «أبا بكر» كان أول من أسلم
وآمن بالنبى - صلى الله عليه وسلم - من الرجال الأحرار، وكان لسلامة
فطرته التى كانت تعاف ما عليه قومه من عبادة الأوثان أثر فى
تبكيره بالدخول فى الإسلام، وما إن دعاه النبى - صلى الله عليه