للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل أولئك ظهروا فى أواخر حياة النبى - صلى الله عليه وسلم -،

لكنه لم يحفل بهم كثيرًا؛ لثقته بالقدرة على القضاء على تلك

الحركات، وفى الوقت نفسه أمر بإنفاذ جيش «أسامة بن زيد» إلى

جنوب «الشام»؛ لتأديب القبائل القاطنة هناك، التى تعادى

المسلمين، ولتثبيت هيبة الإسلام فى أعين الروم، التى فرضها عليهم

فى غزوة «تبوك»، وللفت أنظار أصحابه إلى خطورة دولة الروم

على الإسلام، لكن هذا الجيش لم يذهب لأداء مهمته؛ لمرض النبى

- صلى الله عليه وسلم - ووفاته، فكان أول قرار للصديق، هو تنفيذ ما

عزم عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

لكن الصحابة جميعًا عارضوا «أبا بكر» فى قراره بإرسال جيش

«أسامة»، وتعللوا بأن الردة قد عمت شبه جزيرة العرب، وأن الخطر

داهم ومحدق بهم، حتى لم تسلم منه «المدينة» نفسها، واشرأبت

أعناق أعداء الإسلام من يهود ونصارى وغيرهما، وتحفزوا للقضاء

على الإسلام، ولذا فإن بقاء الجيش فى «المدينة» ضرورة ملحة؛

لحمايتها من الأخطار المحدقة بها.

لكن ذلك كله لم يثن عزيمة الصديق عن إرسال جيش «أسامة»، ووقف

كالأسد الهصور يذود عن الإسلام باتخاذ ذلك القرار الصعب قائلا:

«والذى نفس أبى بكر بيده، لو ظننت أن السباع تخطفتنى لأنفذت

بعث أسامة، كما أمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو لم يبق

فى القرى غيرى لأنفذته».

وقد ظهرت نتائج سياسة «الصديق» الموفقة، عندما ذهب جيش

«أسامة» وحقق ما قصده الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أهداف،

وعاد محمَّلا بالغنائم، وألقى الرعب والفزع فى قلوب القبائل العربية

التى مرَّ عليها فى شمالى شبه الجزيرة العربية وهو فى طريقه إلى

الشام؛ لأنهم قالوا: «لو لم يكن بالمسلمين قوة لما أرسلوا هذا الجيش

الكبير إلى هذا المكان البعيد فى مثل هذا الوقت»؛ ولذا كانت حركة

الردة فى المناطق التى مرّ بها «أسامة» بجيشه أضعف منها فى أى

مكان آخر من شبه الجزيرة العربية.

حركة الردة:

<<  <  ج: ص:  >  >>