يعد موقف «الصديق» من حركة الردة ومواجهته لها من أروع المواقف
فى التاريخ، لأنه آمن إيمانًا عميقًا بانتصار الحق مهما تكن قوة
أعدائه، وأظهر تصميمًا على الدفاع عن الإسلام مهما يبذل من جهد.
وقد بدأت حركة الردة بالقبائل التى منعت الزكاة كعبس و «ذبيان»
و «غطفان» وغيرها، حيث أرسلت وفدًا إلى «المدينة»، يعرض على
«الصديق» مطالبهم، وأنهم لم يرفضوا الإسلام، ولكنهم يرفضون دفع
الزكاة لحكومة «المدينة»؛ لأنها فى ظنهم معرَّة، ويعدُّونها إتاوة
تدفع لأبى بكر، ولم تدرك تلك القبائل أثر الزكاة فى التكافل
الاجتماعى بين المسلمين.
كان رأى فريق من الصحابة وعلى رأسهم «عمر بن الخطاب» أن
يستجيب «أبو بكر» لتلك القبائل، ولا يجبرها على دفع الزكاة،
وخاصة أن «المدينة» مكشوفة، وليس بها قوة تحميها وتدافع عنها؛
لأن جيش «أسامة» لما يعد بعد من شمالى بلاد العرب، لكن «الصديق»
لم يقتنع بهذا الرأى، ورد على «عمر بن الخطاب» ردا جازمًا قائلا له:
«والله لو منعونى عقالا -الحبل الذى يجرُّ به الحمل - لجاهدتهم عليه».
وكان هذا الموقف الثابت من «الصديق» رائعًا كل الروعة، فماذا لو
وافق «أبو بكر» «عمر» ومن معه على رأيهم؟ ربما شجع هذا
التنازل قبائل أخرى، فتمتنع عن دفع الزكاة أسوة بهؤلاء، ولربما
تطور الموقف إلى أبعد من هذا، فتمتنع قبائل عن إقامة الصلاة أو
غيرها من أركان الإسلام، ويكون هذا هدمًا للدين من أساسه. وكأن
«الصديق» حين فعل هذا تمثل واقتدى بموقف لرسول الله - صلى الله
عليه وسلم - عندما جاءه وفد «ثقيف» يعلنون إسلامهم، ويطلبون منه
إعفاءهم من أداء الصلاة، فرفض النبى - صلى الله عليه وسلم - ذلك،
وقال لهم: «لا خير فى دين لاصلاة فيه»، ولعل «الصديق» قصد ذلك
حين قال: «والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة».
ولم يكن «الصديق» صاحب قرارات صائبة فحسب، بل كان يقرنها
بالعمل على تنفيذها، فلما رأى الغدر فى عيون مانعى الزكاة أدرك