أنهم سيهاجمون «المدينة» على الفور؛ لأنهم عرفوا غياب معظم
الرجال مع جيش «أسامة»، وأعلن حالة الاستعداد للدفاع عن
«المدينة» عقب عودة المانعين إلى ديارهم، واتخذ مسجد رسول الله،
مقرا لغرفة عمليات عسكرية، وبات ليلته يُعد للمعركة ويستعد لها،
وأمر عددًا من كبار الصحابة بحراسة مداخل «المدينة»، على رأسهم
«على بن أبى طالب»، و «طلحة بن عبيد الله»، و «الزبير بن العوام»،
و «عبد الله بن مسعود» رضى الله عنهم.
وحدث ما توقعه «الصديق» فبعد ثلاثة أيام فقط هاجم مانعو الزكاة
«المدينة»، فوجدوا المسلمين فى انتظارهم، فهزمهم المسلمون
وردوهم على أعقابهم إلى «ذى القصة» - شرقى «المدينة». ثم
تعقبهم «الصديق» وألحق بهم هزيمة منكرة، وفرت فلولهم، وغنم
المسلمون منهم غنائم كثيرة، واتخذ «الصديق» من «ذى القصة»
مكانًا لإدارة المعركة ضد حركة الردة كلها، وفى هذه الأثناء جاءت
الأخبار بوصول جيش «أسامة» سالمًا غانمًا، فأسرع «الصديق»
بنفسه لاستقبال قائد الجيش الشاب، الذى قام بهذه المهمة الخطيرة
خير قيام، وبعد أن احتفى به وهنأه على عمله، أنابه عنه فى حكم
«المدينة»، وعاد هو إلى «ذى القصة» ليدير المعركة مع المرتدين
بعزيمة لا تلين.
أسباب حركة الردة:
قبل الخوض فى الحديث عن مواجهة «أبى بكر» لحركة الردة، ينبغى
معرفة أسبابها، التى جعلت تلك القبائل ترتد بعد أن أعلنت إسلامها
أمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى السنة الأخيرة من حياته.
- السبب الأول: أن إسلام أغلب هذه القبائل كان ضعيفًا، فقد أذعنوا
لقوة المسلمين، التى لم يكن لهم قِبَل بمواجهتها؛ فاستسلموا ولم
يسلموا إسلامًا حقيقيًا، فظنوا أن وفاة الرسول - صلى الله عليه
وسلم - ستفتُّ فى عضد المسلمين، ولن يستطيعوا مواجهتهم.
- والسبب الثانى: أن العصبية القبلية كانت عندهم قوية، فمعظم
المرتدين الذين التفوا حول مدعى النبوة كانوا يعلمون صدق النبى