من يتتبع حركة الفتوحات الإسلامية خارج شبه الجزيرة العربية يجد
أنها جاءت استطرادًا، وجاءت تحت ضغط الظروف، وأن المسلمين
اضطروا إليها اضطرارًا؛ إذ لم يكن لهم برنامج أو خطة معدة من قبل
للفتح أو التصادم مع الآخرين؛ لأن نشر الإسلام، وهو الغاية الأولى
للمسلمين، لا يتطلب أعمالا حربية أو الدخول فى معارك عسكرية،
وكل ما كان يطلبه المسلمون هو أن يفسح لهم الآخرون الطريق
ليدعوا إلى دينهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكن الفرس والروم لم
يعطوا المسلمين هذه الفرصة، فكادوا لهم واعتدوا عليهم، مما اضطر
المسلمين إلى خوض الحروب معهم، ورد عدوانهم، وتحقيق الحرية
لنشر العقيدة الإسلامية دون عوائق، وليس لنشر العقيدة، والفرق
كبير بين المعنيين.
فتح العراق:
فى أثناء حروب الردة طارد «المثنى بن حارثة» - أحد قادة المسلمين
- المرتدين إلى الشمال، على الساحل الغربى للخليج العربى، فلما
وصل إلى حدود «العراق» تكاثرت عليه قوات الفرس، بعد أن رأوا
فشل عملائهم من المرتدين فى القضاء على الإسلام فألقوا بثقلهم
فى المعارك ضد المسلمين.
ولما رأى «المثنى» أنه غير قادر بمن معه على مواجهة القوات
الفارسية، أرسل إلى الخليفة يشرح له الموقف، ويطلب منه المدد،
فأدرك الخليفة خطورة الموقف، ورأى أن يردع الفرس ويرد عدوانهم،
فرماهم بخالد بن الوليد أعظم قواده، وأردفه بعياض بن غنم.
وفى المحرم من العام الثانى عشر من الهجرة تحرك «خالد بن الوليد»
من «اليمامة»، وكان لايزال بها، بعد أن قضى على فتنة «مسيلمة
الكذاب»، وتوجه إلى «العراق». حيث خاض سلسلة من المعارك ضد
الفرس فى خلال عدة شهور، فى «ذات السلاسل» و «المذار»،
و «الولجة»، و «أليس»، وهذه أسماء الأماكن التى دارت فيها
الحروب، وكان النصر حليفه فيها، ثم توَّج انتصاراته بفتح «الحيرة»
عاصمة «العراق» فى ذلك الوقت، واستقر بها فى شهر ربيع الأول من
العام نفسه، ثم فتح «الأنبار» و «عين التمر» إلى الشمال من