للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حفصون» عن عمر يناهز اثنين وسبعين عامًا بعد أن قاد أكبر ثورة

قام بها المولدون ضد الإدارة الأموية فى غرب الأندلس كله، وتنفست

الحكومة الأموية بوفاته الصعداء بعد أن كان شاغلها الشاغل طوال

ثلاثين عامًا.

وقد سار «عبدالرحمن» بنفسه إلى مواطن ثورة «ابن حفصون»

وقضى على جيوب المقاومة بها وطهرها من آثاره، وصلى فى

مسجدها الجامع واستولى على كل معاقلها وحصونها، وأعدم ابنة

لابن حفصون لإصرارها على الارتداد إلى النصرانية، وانتهى بذلك أمر

تلك الثورة العنيدة تمامًا.

وقد بالغت المصادر الأوربية فى تصوير «عمر بن حفصون»، وقدمته

على أنه بطل قومى رمى إلى غاية نبيلة، وهى تحرير وطنه من نير

المتغلبين عليه ورده إلى ديانته النصرانية.

والحقيقة أن الرجل لم يكن أكثر من قاطع طريق وثائر عنيف ولم تكن

تدفعه أغراض قومية أو نبيلة، ولم تحمسه الشهامة أو العزة القومية،

بل إن كل ما قام به يتعارض مع الشرف والمروءة والشهامة.

أنفق عبدالرحمن الناصر بعد ذلك أربع سنوات فى القضاء على

حركات الثوار فى غربى الأندلس وجنوبها ولم يغفل لحظة عن مطاردة

العصاة، فحاصر «طليطلة» التى كانت معقلا للثوار مدة عامين حين

قام بالخروج فيها أحد زعماء المولدين حتى يئست واستسلمت وخرج

بنفسه فى أواخر (٣١٧هـ = ٩٢٩م) متوجهًا ناحية الغرب وأنذر العصاة

وحاصر «بطليوس» وغيرها ومنع عنها كل مورد وضربها بشدة حتى

اضطرت إلى التسليم، وفعل الشىء نفسه فى «باجة» وفى

«أكشونة» قرب ساحل المحيط التى أتى الثائر بها معتذرًا فقبل

«الناصر» عذره.

وكما طارد الناصر العصاة فى الغرب طاردهم أيضًا فى شرق البلاد،

فبعث وزيره «ابن بسيل» لمقاتلة بنى ذى النون، فقصد معقلهم

«شنت بريه» واقتحمه وقتل رجاله ولم يتركه إلا بعد أن خضع له،

وفى سنة (٣١٧هـ = ٩٢٩م) افتتحت مدينة «شاطبة» بعد أن ترددت

عليها الحملات العسكرية لمدة خمسة أعوام، وبذلك أخمدت كل

<<  <  ج: ص:  >  >>