للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذى يقوم عليه قصر الرصافة، ولم تعد قصور العاصمة تليق بالمكانة

العظيمة التى ارتفعت إليها الخلافة، كذلك ضاقت أسواق البلد

وطرقاتها، وأصبح من العسير على جيوش الدولة ومواكب السفراء

المستمرة أن تسير فى شوارع المدينة دون أن تضايق الناس.

وكان الناصر قد بنى إلى جانب «القصر الزاهر» قصرًا جديدًا سماه

«دار الروضة» استدعى له المهندسين والبنائين من كل ناحية، وأنشأ

فى ظاهر قرطبة متنزهات عظيمة جلب لها الماء من أعلى الجبل فوق

قناطر بديعة، ومع ذلك فقد كانت العاصمة تضيق بسكانها ولاتفى

بحاجة ملك عظيم بلغه الناصر، ووطده عن طريق سحق أعدائه فى

الداخل والخارج؛ لهذا كله فكر فى إقامة مدينة جديدة تضم قصوره

وأماكن حاشيته، وأخذ المهندسون فى دراساتهم ووصلوا إلى

إقامتها على سفح جبل العروس على بعد ستة كيلو مترات من

العاصمة وتطل عليها من الناحية الجنوبية الغربية.

سميت تلك المدينة بالزهراء، نسبة إلى إحدى نساء عبدالرحمن التى

ماتت عن مال كثير وأوصت أن ينفق فى افتكاك أسرى المسلمين،

لكن الناصر لم يجد أسرى فقرر إنشاء المدينة بهذا المال وأطلق

عليها اسم صاحبة ذلك المال.

بدأ العمل فى المدينة الجديدة (أول المحرم ٣٢٥هـ = نوفمبر ٩٣٦م)،

وتولى الإشراف على بنائها «الحكم» ولى العهد، وحشد لها أشهر

المهندسين والصناع والفنانين من سائر الأنحاء ولاسيما القسطنطينية

وبغداد، وجلب لها الرخام بألوانه من «المرية» و «رية»، ومن قرطاجنة

إفريقية وتونس والشام، وجلب لها (٤٣٢٤) سارية من الرخام واشتغل

فى بنائها يوميا عشرة آلاف رجل، و (١٥٠٠) دابة، واستخدمت من

الصخر المنحوت ستة آلاف صخرة فى اليوم، وقدرت النفقة على

بنائها ب ٣٠٠ ألف دينار سنويا بخلاف ما أنفق فى عهد الحكم،

وأقام الناصر لنفسه قصرًا جديدًا، بنى فيه مجلسًا ملوكيا أسماه

قصر الخلافة، جدرانه من رخام مزخرف بالذهب، وفى كل جانب من

<<  <  ج: ص:  >  >>