ولم يبق فى طاعة هشام إلا قرطبة وما حولها وتمسك البربر بعودة
سليمان.
فى هذه الأثناء وصلت إلى العاصمة سفارة من ملك قشتالة تطلب
تسليم الحصون التى فتحها المسلمون أيام الحكم المستنصر والمنصور
بن أبى عامر وغيره، فعقد مجلس من الفقهاء والقضاة، وتمت كتابة
محضر بتسليم ما لا يقل عن مائتى حصن بينها قواعد أمامية إسلامية
وخسر المسلمون بذلك خط الدفاع الأول، وأصبحت حدودهم الشمالية
مفتوحة أمام النصارى، والذى دفع «هشام» وحاجبه «واضح» إلى
اتخاذ هذا الموقف المتخاذل هو الخوف من ملك قشتالة واحتمال أن
يهاجمهم وأن يتحالف مع البربر ضدهم إذا رفض طلبه.
واصل البربر عبثهم بقرطبة وتخريبهم لها، وفى كل يوم يزداد الحال
سوءًا وتتضاعف ضدهم مشاعر الكراهية، وأدرك «واضح» أنه يواجه
أمرًا يستحيل إصلاحه فقرر الهرب، لكن بعض كبار الجند عرفوا نيته،
فعاتبوه على تبديد الأموال وسوء التصرف ثم قتلوه واستولوا على
أموال كان ينوى الهروب بها، وتولى قاتله الحجابة، وهكذا أصبح
القتل وسيلة يلجأ إليها كل من يبغى التخلص من صاحبه.
بعد ذلك جرت محاولات فاشلة للصلح بين الأطراف، ثم حدث أمر جدد
إشعال النار هو قيام أهل قرطبة بقتل بعض زعماء البربر، وترتب
على ذلك قيام معركة هائلة فى (٢٦ من شوال ٤٠٣هـ =مايو ١٠١٣م)
دخل البربر على إثرها قرطبة وقتلوا الكثيرين ولم يرحموا حتى
النساء والأطفال، بل ارتكبوا أشنع ضروب الإثم حين اغتصبوا النساء
والبنات وأحرقوا الدور، وتعرضت قرطبة لمحنة لاتعادلها محنة، وفى
اليوم التالى دخل سليمان المستعين قصر قرطبة، واستدعى «هشام
المؤيد» وعنفه على موقفه، ثم أمر بحبسه.
استقر الأمر لسليمان، فأضاف إلى ألقابه «الظافر بالله» بعد
«المستعين»، وأنزل كلا من «على» و «القاسم» ابنى حمود بشقندة
من ضواحى قرطبة وهما قائدا الجماعة العلوية وينتميان إلى
الأدارسة وهما عربيان من حيث النسب، بربريان من حيث النشأة