ثم لم يلبث أن دعا البربر القاسم إلى قرطبة، وولوه الخلافة فى (١٨
من ذى القعدة من العام نفسهـ)، ولقب بأمير المؤمنين، ولكن الرجل لم
يكن موفقًا فى سياسته، فقد أعان البربر على أهل قرطبة
فعاملوهم معاملة قاسية وطاردوهم وأهانوهم، وجرت معارك متفرقة
بين الطائفتين، ثم جرت موقعة كبيرة فاصلة انتهت بانتصار القرطبيين
وتمزيق البرابرة، واضطر القاسم إلى الرجوع إلى إشبيلية، وجرت
تطورات عاد البربر بعدها وبايعوا يحيى بن على بن حمود ولقبوه
بالمعتلى بالله، أما القاسم فقد سجن وبقى فى محبسه حتى قتل
خنقًا بعد ذلك بفترة سنة (٤٣١هـ = ١٠٤٠م).
كان أهل قرطبة قد سئموا سلوك البربر وقتالهم، وقرروا رد الأمر
لبنى أمية، وعقدت جلسة لهذا الغرض فى المسجد الجامع تمت فيها
مبايعة عبدالرحمن بن هشام فى (١٦ من رمضان سنة ٤١٤هـ= ديسمبر
سنة ١٠٢٣م)، ولقب بالمستظهر بالله، وتولى وزارته بعض القدامى من
وزراء بنى أمية، بيد أن الخليفة الجديد استفتح عهده بإلقاء القبض
على عدد من الزعماء والأكابر، واستقبل فرسان البربر وأحسن
وفادتهم، فهاجت العامة وامتلئوا غيظًا، وهجموا على القصر وقتلوا
كل من صادفهم، أما عبدالرحمن فقد اختفى وظهر ابن عمه «محمد بن
عبدالرحمن بن عبيدالله بن الناصر» وبويع بالخلافة وتلقب
بالمستكفى بالله، وأتى بعبدالرحمن المستظهر وقتله فى (٣من ذى
القعدة سنة ٤١٤هـ = ١٧ من يناير سنة ١٠٢٤م).
كان المستكفى سيئ التدبير ميالا إلى البطالة والمجون، وفى عهده
تهدمت القصور الناصرية، وأتى على مدينة الزاهرة من أساسها،
واضطهد معظم البارزين من الساسة والمفكرين، فنادى جميعهم
بخلعه واضطر إلى مغادرة قرطبة فى زى امرأة، وتمكن بعض
مرافقيه من قتله فى ضاحية قرطبية.
وجدير بالذكر أن محمد المستكفى هذا هو والد «ولادة» الشاعرة
المعروفة.
رجعت الفوضى التى لا ضابط لها إلى قرطبة وجاء إليها «يحيى ابن
على ابن حمود»، و «خيران» و «زهير» العامريان، وتم الاتفاق بين