الجديدة» وبذلك تمزقت بلاد المسلمين وانشطرت إلى قسمين.
ولم يكتف «ألفونسو السادس» بما حققه، وإنما اتجه بتحريض من
الفرنسيين إلى مدينة «سرقسطة» عاصمة الثغر الأعلى وحاصرها
بهدف الاستيلاء عليها، وأخذ يضرب ملوك الطوائف بعضهم ببعض،
ويهاجم أراضيهم ويطالبهم بالأموال كى يضعفهم عسكريا
واقتصاديا.
وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة سياسيا واجتماعيا فإنه مما
يلفت النظر أن تزدهر العلوم وترتقى الآداب والفنون فى عصر ملوك
الطوائف؛ لأن معظم هؤلاء الملوك والرؤساء كانوا من العلماء والأدباء
والشعراء، وكانت قصورهم مجامع للعلوم والآداب، وكلها تزهو لا
بفخامتها وروعتها بل بأمرائها ووزرائها وكتابها، وقد بلغ الشعر
الأندلسى فى زمن ملوك الطوائف شأوًا لم يصل إليه فى أى عصر
آخر.
وقد تميزت قصور ثلاثة بصفة خاصة بمشاركتها فى النهضة الأدبية
والشعرية، وهى قصور بنى عباد بإشبيلية، وبنى الأفطس فى
بطليوس، وبنى صمادح فى ألمرية، وقد برز من بنى عباد: المعتضد
بن عباد وولده المعتمد، ولمع فى بلاطهم كثير من الشعراء والوزراء
والكتاب، وظهر فى بلاط بنى الأفطس «أبو محمد عبدالمجيد بن
عبدون»، و «أبو بكر» و «أبو محمد» و «أبو الحسن» أبناء عبدالعزيز
البطليوسى، كما اجتمع حول بنى صمادح عدد من أقطاب الأدب
والشعر منهم ابن القزاز وابن الحداد والوازى آشى وغيرهم، أما بنو
هود فى سرقسطة فقد نعم بحمايتهم واشتهر فى ظلهم الشاعر أحمد
بن محمد ابن دراج القسطلى.
وعرف هذا العصر مجموعة من العلماء الكبار الذين وصلوا إلى القمة
من حيث النضج الفكرى والمستوى العلمى، من هؤلاء ابن حزم وأبو
الوليد الباجى، واللغوى ابن سيده، واللغوى الجغرافى أبو عبيد
البكرى، والعلامة ابن عبدالبر، ومجاهد العامرى صاحب داتية، ومحمد
بن أحمد بن طاهر صاحب مرسية، ومن أكابر الفلكيين والرياضيين
الذين أفادوا الغرب ببحوثهم أبو إسحاق إبراهيم يحيى الزرقالى،