وصول نبأ وفاة الأمير أبى بكر بن يوسف بن تاشفين كدر صفو
النصر، وجعل «ابن تاشفين» يقرر العودة إلى بلاد المغرب ومعه عامة
الجند، وترك تحت إمرة المعتمد جيشًا من المرابطين مؤلفًا من ثلاثة
آلاف جندى. بعد أن نجح «يوسف» بما حققه من نصر مؤزر فى إعادة
روح الثقة والأمل إلى نفوس المسلمين بالأندلس.
عودة ابن تاشفين إلى الأندلس:
عبر ابن تاشفين مرة أخرى إلى الأندلس فى رجب (٤٨٣هـ = سبتمبر
١٠٩٠م)، واتجه نحو حصن يسمى حصن «لاييط» وهناك تبين له تخاذل
أمراء الطوائف فعزلهم جميعًا ووحد الأندلس، ولم يستثن من ذلك إلا
إمارة سرقسطة، فقد كان أصحابها محاطين بالنصارى من كل
ناحية، وخشى ابن تاشفين أن يسلموها للنصارى إذا تعرض لهم
فتركهم بدون تدخل، وبهذا العبور الثانى ليوسف بدأ عصر المرابطين
فى الأندلس.
وعلى الرغم من قيام المرابطين بمسئولياتهم فى المغربين الأوسط
والأقصى فإنه كان من مهامهم الرئيسية الدفاع عن الإسلام فى
الأندلس، ففى هذا الميدان جاهدوا وأنفقوا، واستشهد فيه خيرة
رجالهم، وعرفوا كيف يثبتون لعدوهم ويوقفون تقدم النصارى، رغم
تكتل الأعداء واستعانتهم بملوك غربى أوربا وبالبابوية، ومن مواقع
المرابطين التى أبلوا فيها بلاء حسنًا موقعة «أقليسن» شرقى
طليطلة، وكان من نتائجها استيلاؤهم على هذه المدينة، وعلى مدينة
طلبيرة للمرة الثانية سنة (٥٠٣هـ = ١١٠٩م)، كما تمكنت البحرية
المرابطية فى سنة (٥٠٩هـ = ١١١٥م) من استعادة جزر البليار، ولو
بقيت هذه الجزر بيد النصارى لأصبحت خطرًا يهدد شرق الأندلس كله.
وهذا لا يعنى أن المرابطين خلت أيامهم من الهزائم، فقد تعرضوا
لنكبة عند بلدة «كتندة» القريبة من سرقسطة فى (ربيع الأول ٥١٤هـ=
يونيو ١١٢٠م)، واستشهد منهم ألوف من بينهم بعض العلماء بسبب
تسرعهم فى الهجوم على العدو قبل أن تنتظم صفوفهم، فاختل
نظامهم وكانت الهزيمة، لكنهم حققوا نصرًا فى موقعة «أفراغة»