وأدت هذه السياسة، بالإضافة إلى فرض الضرائب الباهظة، إلى
ظهور حالة من الاستياء والشعور بعدم الرضا تجاه السلطان
وإدارته، وساد البلاد نوع من العصيان الشعبى، ونفور المحافظين من
فكرة الإصلاح الذى يستلهم النموذج الغربى، وفتح باب التحالف مع
«الإنكشارية» للوقوف ضد كل إصلاح يتخذ «أوربا» مثالا يُحتذى، أيا
كانت فائدته.
وكان من أسباب الضيق بحركة الإصلاح هذه: احتلال أهل الذمة
مواقع خاصة فى مؤسسات الدولة العثمانية، بحيث أصبحوا يتميزون
عن الموظفين المسلمين.
إصلاح الجيش:
تنبه الساسة العثمانيون إلى أن ضعف الدولة يعود إلى عدم
مسايرتها لنواحى التقدم التى شهدتها «أوربا»،وأثبتت لهم هزيمة
الدولة المخزية فى حربها مع «روسيا» سنة (١١٨٨هـ= ١٧٧٤م) هذه
الحقيقة، فلم يعد هناك مفر من الاقتباس من الحضارة الغربية، وبخاصة
فى المجالات العسكرية، فاستعان العثمانيون بمستشار عسكرى
فرنسى هو «البارون دى توت»، لتدريب فرقتى المدفعية
والمهندسين.
وقد نجح هذا المستشار فى إنشاء فرقة جديدة للمدفعية سريعة
الطلقات سنة (١١٨٨هـ= ١٧٧٤م) ضمت (٢٥٠) جنديا وضابطًا، وفى بناء
مصنع لهذه المدافع، وإنشاء مدارس عسكرية حديثة، ومدرسة لتعليم
الرياضيات الحديثة، وأعيدت المطبعة، وجرى ترجمة المزيد من الكتب
الفرنسية العسكرية.
وشهد عصر «سليم الثالث» بدايات التعليم العسكرى على النمط
الغربى، وما ارتبط به من اقتباس المعرفة الأوربية؛ حيث طلب السلطان
نفسه من «لويس السادس عشر» أن تساعده «فرنسا» فى إعادة
بناء الجيش العثمانى، كما أنه أوجد حوله هيئة جديدة من الإداريين
العسكريين المؤمنين بالإصلاح، وقد رفع هؤلاء مجموعة من التقارير
المتصلة بأوضاع الإمبراطورية، وما يجب عمله لإنقاذها، وقد ركزت
معظم هذه التقارير على الإصلاح العسكرى، وأشارت إلى ضرورة
إعادة «وجاق الإنكشارية» وغيره من الفرق إلى تنظيمها الأول، وأن