أما ابن باديس فقد جاء في فترة جددت فيها النزعة الصوفية (المرابطية أو الطرقية) دورة المرابطين.
وهنا موضع الخطورة، ذلك أن الحلقة لم تستأنف بالفقه والرباط، بل بالتميمة والزاوية.
ولم يستطع المصلح الجزائري أن يطمح إلى تأسيس إمبراطورية تحرر الضمير.
لقد تغير الزمان: فالاستعمار والقابلية للاستعمار غيَّرا كل المعطيات في الجزائر كما فعلا ذلك في سائر العالم الإسلامي.
كانت الظروف تقتضي الرجوع في الإصلاح إلى السلف أدراجاً: إذ لم يكن القيام بأي عملٍ في النظام السياسي أو الاجتماعي ممكناً قبل تحرير الضمائر.
وكل مذهب الإصلاح الجزائري الذي تجده في ابن باديس كان لا بدَّ أن يصدر عن هذه الضرورة أو عن هذه المقتضيات الخاصة.
والمبدأ الأساسي القائل:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} الذي كان أول خطوة في الإصلاح؛ يمكن أن يعتبر- من زاوية مَّا - ترجمة لهذه الضرورة في صيغة مذهبية.
ومن هنا نرى التقلبات التي كان يمكن أن يتعرض لها مبدأ كهذا المبدأ لدى وضعه موضع التطبيق، عندما يجد المرء نفسه - أو يظن - أنه مضطر إلى أن يتنازل للسياسة على حساب كمال المذهب ومتانته.
ونقد الحركة الإصلاحية الجزائرية كله يمكن أن يوجه نحو هذه النقطة.
ولنقل - كي نبقى ضمن موضوعنا -: إننا لم نعمد إلى الحكم على أثر ابن باديس بالمتانة العلمية التي تضع النتائج في أعقاب المقدمات، والمقدمات نفسها في مواجهة قوانين التاريخ، وعلم الاجتماع.