إصلاح التعليم الديني في دروسنا حسب ما تبلغ إليه طاقتنا إن شاء الله تعالى. وسننشر ما يكون من ذلك في الجزء الآتي إن شاء الله عليه توكلنا وعليه فليتوكل المؤمنون (١).
-٢ -
قد ذكرنا في المقال السابق ما كان عليه التعليم الديني في عهد السلف الصالح من التفقه في الدين بالتفقه في القرآن والأحاديث النبوية، وذكرنا الحالة التي انتهى إليها في عصرنا من هجر القرآن والسنة، والاقتصار على الفروع العلمية المنشرة دون استدلال، ولا تعليل، واستشهدنا على ذلك بحالتنا نحن أنفسنا لما أخذنا شهادة العالية من جامع الزيتونة- عمره الله- بدوام ذكره. ونريد أن نذكر اليوم أن هذا الإعراض عن ربط الفروع بأصولها ومعرفة مآخذها، هو داء قديم في هذا المغرب من أقصاه إلى أدناه، بل كان داء عضالا فيما هو أرقى من المغارب الثلاث وهو الأندلس. ونحن ننقل فيما يلي كلام إمامين عظيمين من أئمة الأندلس المتبعين لمالك رحمه الله.
قال الإمام عمر بن عبد البر المتوفى سنة ٤٩٣هـ في (جامع بيان العلم وفضله): "واعلم أنه لم تكن مناظرة بين اثنين أو جماعة من السلف إلا لتفهم وجه الصواب، فيصار إليه ويعرف أصول القول وعلته، فيجري عليه أمثلته ونظائره، وعلى هذا الناس في كل بلد إلا عندنا كما شاء الله ربنا، وعند من سلك سبيلنا من أهل المغرب فإنهم لا يقيمون علة ولا يعرفون للقول وجها، وحسب أحدهم أن يقول فيها رواية لفلان، ورواية لفلان، ومن خالف عندهم الرواية التي لا يقف على
(١) ش: ج ١١، م ١٠، ص ٤٧٨ - ٤٨١ رجب ١٣٥٣هـ - ١٠ أكتوبر ١٩٣٤م.