معناها، وأصلها، وصحة وجهها، فكأنه خالف نص الكتاب وثابت السنة ويجيزون حمل الروايات المتضادة في الحلال والحرام، وذلك خلاف أصل مالك. وكم وكم لهم من خلاف في أصول مذهبه مما لو ذكرناه لطال الكتاب بذكره ولتقصيرهم في علم أصول مذهبهم، صار أحدهم إذا لقي مخالفا ممن يقول بقول أبي حنيفة أو الشافعي أو داوود ابن علي، أو غيرهم من الفقهاء وخالفه في أصل قوله بقي متحيرا ولم يكن عنده أكثر من حكاية قول صاحبه فقال: هكذا قال فلان، وهكذا روينا، ولجأ إلى أن يذكر فضل مالك ومنزلته، فإن عأرضه الآخر بذكر فضل إمامه أيضا صار في المثل كما قال الأول:
شكونا إليهم خراب العراق ... فعابوا علينا شحوم البقر
فكانوا كما قيل فيما مضى ... أريها السُّها وتريني القمر
وفي مثل ذلك يقول منذر بن سعيد البلوطي:
عذيري من قوم يقولون كلما ... طلبت دليلا، هكذا قال مالك
فان عدت قالوا: هكذا قال أشهب ... وقد كان لا تخفى عليه اسمالك
فان زدت قالوا: قال سحنون مثله ... ومن لم يقل ما قاله فهو آفك
فإن قلت قال الله ضجوا وأكثروا ... وقالوا جميعا: أنت قرن مماحك
وإن قلت قد قال الرسول فقولهم ... أتت مالكا في ترك ذاك المسالك
هذا إمام من أئمة الإسلام العظام المجمع على إمامتهم وعدالتهم، ومن أعظم المتبعين لمالك الآخذين بمذهبه، وها هو يشكو مرَّ الشكوى مما كان عليه أهل بلدة الأندلس في القرن الخامس وينعي عليهم ما انفردوا به هم، وأهل الغرب من الجمود والتقليد، وحملهم للروايات المختلفة دون معرفة وجوهها، ومخالفتهم لأصل مذهب الإمام الذي ينتسبون إليه، وعدولهم عن النظر والاستدلال المأمور بهما كتابا وسنة المعمول بهما عند جميع الأئمة إلى الاحتجاج بفضل القائل