إعطاء الرخص بفتح المكاتب، هذا هو الذي صد العلماء عن القيام بواجبهم، وأما السياسيون فإنهم ما حاولوا إدخال العلماء في السياسة وما كان العلماء- وقد نصبوا أنفسهم لشيء- أن يتداخلوا في شيء آخر، وقد أوقفوا وفودهم العلمية في الصائفة الماضية عن التنقل في جهات القطر تجنبا لكل رمي بالباطل ومع ذلك لم يسلموا- مع الأسف- من مثل هذا القيل.
وبعد فإننا اخترنا الخطة الدينية على غيرها عن علم وبصيرة وتمسكا بما هو مناسب لفطرتنا وتربيتنا من النصح والإرشاد وبث الخير والثبات على وجه واحد، والسير في خط مستقيم. وما كنا لنجد هذا كله إلا فيما تفرغنا له من خدمة العلم والدين، وفي خدمتهما أعظم خدمة وأنفعها للانسانية عامة. ولو أردنا أن ندخل الميدان السياسي لدخلناه جهرا ولضربنا فيه المثل بما عرف عنا من ثباتنا وتضحيتنا، ولقدنا الأمة كلها للمطالبة بحقوقها ولكان أسهل شيء علينا أن نسير بها على ما نرسمه لها وأن نبلغ من نفوسنا إلى أقصى غايات التأثير عليها، فإن مما نعلمه ولا يخفى على غيرنا أن القائد الذي يقول للأمة "إنك مظلومة في حقوقك وإنني أريد إيصالك إليها" يجد منها ما لا يجده من يقول لها: "إنك ضالة عن أصول دينك وإنني أريد هدايتك" فذلك تلبيه كلها، وهذا يقاومه معظمها أو شطرها، وهذا كله نعلمه، ولكننا اخترنا ما اخترنا لما ذكرنا وبينا وإننا فيما اخترناه- بإذن الله- لماضون وعليه متوكلون.
ثم ما هذا العيب الذي يعاب به العلماء المسلمون إذا شاركوا في السياسة؟ فهل خلت المجالس النيابية الكبرى والصغرى من رجال الديانات الأخرى؟ وهل كانت الأكاديمية الفرنسية خالية من آثار الوزير القسيس رشليو؟ أفيجوز الشيء ويحسن إذا كان من هنالك ويحرم