وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} فأخبره أن القرآن شرف له ولقومه- نزل بلغتهم ونهض بهم من كبوتهم وأخرجهم من الظلمات إلى النور وهيأهم لهداية الأمم وإنقاذها من الهلاك وقيادتها لعزها وسعادتها- وأنهم يسئلون عن هذه النعمة. يقول هذا ليعملوا بالقرآن ويعلموا أن شرفه إنما هو للعالمين.
على أن العرب رشحوا لهداية الأمم، وإن الأمم التي تدين بالإسلام وتقبل هدايته ستتكلم بلسان الإسلام وهو لسان العرب فينمو عدد الأمة العربية بنمو عدد من يتكلمون لغتها، ويهتدون مثلها بهدي الإسلام. علم هذا فبيَّن أن من تكلم بلسان العرب فهو عربي وإن لم يتحدر من سلالة العرب، فكان هذا من عنايته بهم لتكثير عددهم لينهضوا بما رشحوا له. بين هذا في حديث رواه ابن عساكر في تاريخ بغداد بسنده عن مالك الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: (جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي فقال: هذا الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذا الرجل "يعني النبي صلى الله عليه وسلم" فما بال هذا "يعني الفارسي والرومي والحبشي ما يدعوهم إلى نصره وهم ليسوا عربا مثل قومه" فقام إليه معاذ بن جبل- رضي الله عنه - فأخذ بتلبيسه "ما على نحره من الثياب" ثم أتى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- فأخبره بمقالته فقال النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- مغضبا يجر ردائه "لما أعجله من الغضب" حتى أتى المسجد ثم نادى: الصلاة جامعة، ليجتمع الناس"، وقال- صلى الله عليه وآله وسلم-: «أيها الناس، الرب واحد والأب واحد، وأن الدين واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان فمن تكلم بالعربية فهو عربي» فقام معاذ فقال: فما تأمرني بهذا المنافق يا رسول الله؟ قال:«دعه إلى النار» فكان قيس ممن ارتد في الردة فقتل.