والعباد، لم يظاهر- ظالماً لغنم يصيبه، ولا صحب غنياً للانتفاع بغناه، وكان يؤثر الخمول وعدم الظهور ولا تهمه الشهرة استفاضت أم لم تستفض لأنه يهزأ في باطنه بمظاهر الأبهة والرفعة ويزهد في اعتبارات كثيرة يتفانى الناس في تحصيلها. يزهد حتى في نسبته إلى الشرف ولم يذكر ذلك إلا مرة واحدة ذكره فيه أحد صلحاء الجزائريين أمامي وسألته بعد ذلك عن نسبة بيتهم إلى الشرف فقال (هكذا يقولون) ولا عجب فشرف العلم أشرف نسبة. هاجر الشيخ من دمشق لما كثر إرهاق العلماء في العصر الحميدي فنزل القاهرة من سنة ١٢٢٥ه ١٩٠٧م إلى سنة ١٢٣٨ه ١٩٢٠م وظل فيها طول هذه المدة على تقشفه والحرص على عاداته، ولما نشر القانون الأساسي في المملكة العثمانية (١٩٠٨) رأى الشيخ بنظره الثاقب أن عهد الحرية الحقيقية بعيد وكان لا يغتر بقوانين الترك ولا بثرثرة السياسيين فانزوى في مصر حتى استحكم منه مرض (الربو) وقفل راجعا إلى مسقط رأسه قبيل وفاته بأشهر قليلة فعين مديراً لدار الكتب التي كان أنشأها في صباه وعضواً في المجمع العلمي العربي وناداه ربه إلى جواره يوم ١٤ ربيع الثاني سنة ١٣٣٨ه (٥ كانون الثاني سنة ١٩٢٠م) فدفن حسب وصيته في سفح قاسيون جبل دمشق، وقبيل وفاته برح به الألم فاقترح على الطبيب أن يعطيه دواء يميته حالاً قائلاً أن في الشرع ما يبيح ذلك وهذا من أغرب ما سمع من عاقل. أما الطبيب فركن إلى الفرار وحلف أن لا يعود لتمريض الشيخ.
كان الشيخ فيلسوفاً بكل ما في الفلسفة من معنى شريف لا تلتوي أخلاقه ولا ينزل بحال عن عاداته متشدداً في دينه زاهداً في دنياه لم تبهره زخارف الحياة ولم يتزوج حتى لا يشغل ذهنه بزوج وأولاد وليكون أبداً مطلق العنان يسيح في الأرض متى أراد أو يقبع في كسر داره وسط كتبه ودفاتره، ولئن خلا من هم نفسه فما خلا ساعة من