وعقد له صلات مستديمة مع علماء عصره على اختلاف أديانهم وأجناسهم، صحب صديقه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده كما صحب صديقه العالم المجري (غيولد صهري) اليهودي. وكثيراً ما كانت صلاته بعلماء المشرقيات باعثة على تخفيف حملاتهم على الإسلام ولو قليلاً، وهذا جل ما كان يهتم له ثم يهمه من أمر المستعمرين من المستشرقين توفرهم على خدمة آدابنا بنشرهم كتبنا النفيسة وكان يعاونهم فيما هم بسبيله إذا استطلعوه طلع رأيه ومتى استفتوه أفتاهم بما يتعذر وقوفهم عليه.
ومن عادة الشيخ أن يصحب الفرق المختلفة مهما كان لون طريقتهم ونحلتهم حتى الملاحدة وأرباب الطرق، رأى ذات مرة جماعة يتألفون على طريقة لهم يحبونها وأذكار مأثورة يقيمونها وشهد في بعض أفرادهم استعداداً للعلم، فما زال بشيخهم، وكان من أصحابه وتلاميذه حتى حمل الجماعة على أن يشغلوا الوقت في مطالعة كتاب من كتب القوم في التصوف وكان هذا الكتاب في الأدب العالي والأخلاق الفاضلة، ورأيت الشيخ يحتمل كثيراً من تجهم بعض أولئك المتألفين فيدخل في مجلسهم متظاهراً بأنه طالب استفادة حريص على درس أستاذهم وهو يحمل إليهم النسخ المخطوطة من الكتاب لمعارضتها بالمطبوع يحاول أن يعلم بعضهم صورة المراجعة في كتب اللغة حتى تسلم العبارة من الخطأ، ويخدم الكتاب الخدمة اللائقة، وبذلك تيسر له أن ينقل بعض أرباب الاستعداد منهم من كتب التصوف إلى كتب العلم والأدب. وسمعت بعضهم يتبرمون بقراءة تفسير ابن جرير الطبري وتبسطه في شرح الكتاب العزيز فجاء من هذه الزمرة أدباء نافعون بعد أن كانت نفوسهم مشبعة بالكشف والخيالات والمنامات. وأدخل النور على كثير من أذكياء العلماء من أصحابه وكان منهم الذين ذرفوا على