عن الناس وعن تكفف العظماء لتعزف نفوسهم عن التناول من الأوقاف والتمرغ في حمأة القضاء والإفتاء، وينشأوا على استقلال النفس، لأن هذا العلم يطلب لذاته وفائدته في الدارين لا للتكسب به عند السلاطين والحكومات. وفي سيرة بعض علمائنا الأقدمين ممن كانوا يحترفون ويتجرون عبرة لأهل هذا الشأن وأي عبرة.
ولطالما تفرس الشيخ في إنسان الشر وأعرض عنه وحذر أصحابه من الدنو منه فيناله من نقد غير العارفين ما يناله ويقولون أن الشيخ صاحب أطوار وغرائب والشيخ ساكت يقول:"هم أحرار ونحن لا نكم أفواه الناس عن التحدث بما يروقهم" ولا تلبث الأيام بعد حين أن تكشف نفس ذاك الشرير على صورة مستغربة وكثيراً ما كنت أسأله عن الأشخاص من حيث علمهم أو أخلاقم فيجيب (الأمر مجهول) فأفهم بالتعريض أن في معلوماتهم م أو سلوكهم نظراً، فيظهرون بعد لأي بمظهر الجهل أو الخيانة وقد خدعوا السذج من أصحاب الصدور السليمة ومن قلت تجاربهم في المجتمع أعواما غير قليلة. ومن فراساته الغريبة يوم حدث الاعتداء على ولي عهد النمسا في مدينة سراجيفو سنة ١٩١٤م أن حرباً أوربية طاحنة ستنشب لا محالة فأبعد في تصوره خطورة الموقف إلى ما لا يتعداه غير أعاظم المفكرين العارفين بنتائج الحوادث. كان يصدع بالحق ولا يماري إذا دخل مجلساً ورأى فيه بعض الظالمين أو المخرفين غلب عليه الجلال فلا بنطق بكلمة، وإذا رأى من أحد الحاضرين تمويها في أمر وخروجاً عن الصدد جبهه واحتد فيخرج عن مألوف الناس في الملاينة والملاطفة وهذا سر من أسرار ازورار بعض الناس منه. واتفق أن أحد أترابه ارتقى في الدولة العثمانية حتى أصبح الحاكم المتحكم في العهد الحميدي فقاطعه الشيخ مقاطعة بلا سبب ظاهر فتوسط صاحبه أحد أقاربه ليعود الشيخ إلى مراسلته ووعد الشيخ ومناه فأغضى الشيخ عن إجابته ثم ألح الوسيط