يكره الجلجلوتين والقبوريين والجامدين والمماحكين. وسمعته يقول إن فلاناً بردِّه على الماديين وهو لا يحسن العلوم المادية فتح علينا أبوابا يصعب سدها وفلانا بمقالاته السياسية المطولة يفتح بقلمه كل حين مشاكل صعبة الحل.
وكان ينهر من يوردون أحاديث تفت في عضد السامعين وتلقي في قلوبهم الرعب والوهم لأن من مذهبه تقوية القلوب وإزالة غشاء الأوهام من الأحلام وأن يصمد المرء لكافحة الحوادث ولا يحب الاستقراء والاستنتاج إذا كانا في غير محلهما حتى لا يؤدي التزيد والتفلسف إلى تزييف الوقائع وإلباس الحقائق غير صورها ولذلك كان يستلطف من الإنكليز السكسونيين إيجازهم في أحاديثهم وكتبهم ويوحشه من اللاتينيين تبسطهم في أقوالهم ومكتوباتهم.
كان يرفق بالضعفاء ويرفع من قدر الصعاليك ويحمل على العظماء ويترفع عن ملابستهم وكثيرا ما كان يحدث العامة برفق وتؤدة ويخاطبهم خطاب إخوانهم لهم. ولطالما قال أن من الحكمة أن لا تجعلوا بينكم وبين العامة حجابا كثيفا إذا أحببتم هدايتهم والانتفاع بهم في المجتمع وعليكم أن توهموهم أن ليس بينكم وبينهم من الدرجات إلا قليل يوشكون هم إذا اشتغلوا قليلا أن يساموكم أو يفوقوكم فهو بهذا كالطبيب الحاذق يعطي المريض الجرعة التي تناسبه ويتدرج به في المقويات درجة درجة وهكذا كان مع كل طالب ومستفيد، تحقق لدى الشيخ أن ابن أخيه، وكان من نوابغ الشبان، ابتلي بآخرة بالشراب يتعاطاه، فقطع مكاتبته مع شدة حبه له وظل لا يكلمه ولا يبحث عنه مدة اثنتي عشرة سنة وهو يكتم السبب في إعراضه عن نجل شقيقه حتى أشار مرة لبعض خاصته بما يرتكبه المغضوب عليه من أخذ المسكر، وعد عليه في جملة هناته أنه أتعب نفسه في المدرسة زيادة على المطلوب فضعف بصره حتى ينال رتبة علية وكان عليه لو سمع