باقية عندهم وكان قد ساح في تلك الجهات وهو ممن يتعصب للغة الكتاب العزيز أكثر مما يتعصب أهلها لها.
كان قد أسس في أميركا مدرسة يقرأ بها الطالب وهو في بلده، وقد كنت رأيت في سورية أحد طلبتها وهو يدرس فيها فنا دقيقا وأظن أنها تسمى المدرسة الكوتشوكية، وقد كان ترجم قديماً إلى العربية بعض قوانينها وطبعت ثم نفدت النسخ بحيث أني بحثت عنها فلم أجد نسخة بل لم أجد من يعرفها فإن وجدتم كتابا بالفرنسوية يتعلق بها فترجموا منه ما تيسر مما يوافق البلاد.
وقد سعى بعض الواقفين على ذلك من نحو عشر سنين في بث هذا المقصد إلا أنه على وجه خفي حيث كان نشر العلم إذ ذاك يعد من أعظم الإجرام، والآن لم يبق مانع ومجرد نشر أسلوبها وقوانينها يفيد فضلا عن التشبث بشيء من ذلك.
وقال في كتاب:
"وقد وقفت على كثير من الجرائد الجديدة فوجدت جل مباحثها في بيان فوائد الحرية ورأيت الناس قد ملوا هذا البحث لأن الحرية إن كانت على المعنى الذي يقول به الحكماء فهي مما لا يختلف فيه اثنان من ذوي النباهة، وإن كانت على وجه آخر فربما كان ضررها أكثر من نفعها. ولست أعني بالحكماء هنا أمثال الحكيم الذي كان يقال لكم أنه تعلم الحكمة في سويسرة في ثلاثة أشهر لأن مثل تلك الحكمة مما يزيد خبالاً. وما أرى أكثر الفتن التي وقعت في كثير من الولايات إلا من مثل هؤلاء لا سيما أن ضم إلى دعوى الحكمة دعوى الحرية وهو لا يملك نفسه. وقد كان أرباب الحدس يتصورون أنها تكون أشد إلاَّ أن الألطاف الإلهية حفت فخفت ولله الحمد.