قال الرشيد: ما تراه حين أنشده هذا البيت؟ قلت: قال كذاك أراد الله فقال الرشيد: ما كان في جلالته ليقول هذا أحسبه، قال ما شاء الله. قلت: وكذا جاءت الرواية فلما أتيت على آخرها قال: أتروي لذي الرمة شيئا؟ قلت الأكثر، قال فماذا أراد بقوله:
قلت وصف حمار وحش اسمه بقل روضه، تواشجت أصوله وتشابكت فروعه من مطر سحابة كانت بنوء الأسد، ثم في الذراع من ذلك، فقال الرشيد: أرح فقد وجدناك ممتعا وعرفناك محسنا. ثم قال: أجد ملالة، ونهض وأخذ الخادم يصلح عقب النعل في رجله وكانت عربية، فقال الرشيد: عقرتني يا غلام، فقال الفضل: قاتل الله الأعاجم إما أنها لو كانت سندية لما احتاجت إلى هذه الكلمة. فقال الرشيد: هذه نعلي ونعل آبائي، كم تعارض فلا تترك من جواب ممض. ثم قال: يا غلام، يؤمر صالح الخادم بتعجيل ثلاثين ألف درهم على هذا الرجل في ليلته هذه، ولا يجب في المستأنف. فقال الفضل: لولا أنه مجلس أمير المؤمنين ولا يأمر فيه غيره، لأمرت لك بمثل ما أمر لك، وقد أمرت لك به إلا ألف درهم، فتلق الخادم صباحا. قال الأصمعي: فما صليت من غد إلا وفي منزلي تسعة وخمسون ألف درهم (١).
(١) ش: ج ٢، م ٦، ص ١٠٤ - ١٠٦ غرة شوال ١٣٤٨ه - مارس ١٩٣٠م.