له: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذا البلاد، فعرف النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- أنه ليس من تلك الأرض فسأله عن بلده وعن دينه فقال له أنه نصراني وأنه من أهل قرية نينوى من قرى الموصل فقال له النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- من قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟ فدهش عدَّاس، وقال له- صلى الله عليه وآله وسلم-: وما يدريك ما يونس بن متى وإنني فارقت نينوي وما يعرفه من أهلها إلا قليل فمن أين عرفت أنت هنا هذا وأنت أمي في أمة أمية فقال النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ذلك أخي كان نبياً وأنا نبي.
كان عدَّاس على يقين بما خبر من أهل تلك الأرض وعرف من جهلهم وأميتهم، من أنهم بعداء كل البعد عما شاهده من أدب النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- عند الأكل بذكر اسم الله، وما سمعه منه من العلم بيونس وبلدته فتحقق أن هذا ما وصل إليه إلا بوحي من الله فلم يتردد في تصديقه والإيمان به وأكب على رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقبل رأسه ويديه وقدميه.
لم يكن عند عدَّاس مال يطغيه ولا جاه ينفخه ولا رئاسة يتعالى ويتعاظم بها ولا سلطة كهنوتية تفسد عليه إدراكه وتغل فكره فلذلك نظر نظراً صحيحاً وفكر تفكيراً مستقيماً فاستنتج من علم النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ما لم يعلمه الناس في أرض جهل وأمية أنه نبي موحى إليه من الله وكل من سلم من تلك القواطع التي سلم منها عدَّاس فهو أقرب الناس إلى قبول الحق واتباعه وما يتباطأ من يتباطأ عن قبول الحق والإذعان لأدلته إلا من تلك الموانع ويكون تباطؤه بقدر ما عنده منها.
بينما كان الغلام الصحيح العقل النقي القلب السليم الصدر الحر الضمير يستعمل فكره فيشرح الله صدره فيهتدي إلى الإسلام- كان