فلما أشكل عليهم الأمر طلبوا منه- صلى الله عليه وآله وسلم- البيان. ففي الترمذي عن كعب بن عجرة لما نزلت:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ} الآية، قلنا يارسول الله قد علمنا السلام فكيف الصلاة، وقوله:"لما" يفيد أن سؤالهم كان عند النزول وقوله "قلنا" يفيد أن السؤال كان من جميعهم ولو كان السائل المتكلم واحد فإنه يتكلم بلسان الجميع لأنهم له موافقون. ومثل هذا قول أبي حميد "إنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك" وقول أبي سعيد "قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك فكيف نصلي" وأول من سأله- فيما أرى- بشير بن سعد الأنصاري- لأنه لما سأله- صلى الله عليه وآله وسلم- كيف نصلي عليك"- سكت ثم أجابه بالبيان. والظاهر أن سكوته كان لانتظار الوحي إليه فلما أوحى إليه بالبيان، بين. وجاء البيان متأخرا عن نزول الآية واقعا بعد سؤالهم لأنه من البيان التفسيري وجائز تأخره على الصحيح وهذا من أمثلته.
وهنا نكت من هدى الصحابة- رضوان الله عليهم- في هذا المقام ينبغي التنبه لها والتدبر فيها، فمنها شدة تعظيمهم للنبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وتمام تحريهم في إجلال ذكره واحترام كل ما يتصل بجنابه. ومنها حرصهم على الإتيان بعين ما يختاره الله لهم ويرضاه منهم عن اللفط الأكمل الأفضل الذي يتقربون به إليه في تعظيم حبيبه ومصطفاه- صلى الله عليه وآله وسلم-. ومنها شدة تحريهم لدينهم بتوقفهم فيما كان عندهم محتملا ولم يقطعوا فيه بشيء. ومنها شدة عنايتهم بالعلم، فبادروا إلى طلب البيان ومنها وقوفهم في باب العبادة عند حد التوقيف لأنه لا مجال فيها للرأي ولا مدخل فيها للقياس.
كل هذا من هديهم- رضوان الله عليهم- حق على المسلمين أن يتدبروه ويتبعوهم فيه وينظروا في أمورهم ما هو منها موافق لهديهم