بصاحب القرآن ولطف تأديبه له، وحسن عنايته به أن ختم بهاتين السورتين كتابه لتكونا آخر ما يستوقف القاريء المتفقه، وينبهه إلى أن في العلم والحكمة مسألة لم يتعلمها إلى الآن. وهي أنه مهما امتدّ في العلم باعه واشتد بالحكمة اضطلاعه. فإنه لا يستغني عن الله ولا بد له من الالتجاء إليه والاعتصام به يستدفع به شر الأشرار وحسد الحاسدين وكفى بهذه التربية قامعًا للغرور. وإنه لشر الشرور.
هذه هي المناسبة العامة بين جميع القرآن مرتبًا ترتيبه التوقيفي وبين هاتين السورتين في اتحاد موضوعهما.
وأما المناسبة الخاصة بين السورتين وبين سورة الإخلاص فهي أن سورة الإخلاص قد عرَّفت الخلق بخالقهم بما فيها من التوحيد والتنزيه والتمجيد. فإذا قرأت القرآن وتدبّرتَه على ترتيبه ووجدت توحيد الله منبثًا في آياته وسوره متجليًّا ذلك التجلي الباهر بمعارضه وصوره مادا ببراهينه على النفوس كل ثنية وكل مطلع - كانت آخر مرحلة يقطعها فكرك من مراحل التوحيد في القرآن هذه السورة المعجزة على قصرها، فكأنها توكيد لما امتلأت به نفسك من معاني التوحيد وكأنها وصية مودعّ مشفق بمهمّ يخشى عليك نسيانه فليعمد فيها من الكلام إلى ما قلّ ودلّ ولم يملّ.
ومن صدقك في توحيدك لله في ربوبيته وإلهيته أن تنقطع عن هذا الكون وتكون منه وكأنك لست منه بصدق معاملتك لله وإخلاص توحيدك إياه. فأنت وقد آمنت وصدّقت وخرجت من سورة الإخلاص متشبعًا بمعانيها ومنها معنى الصمد - تستشعر أن العالم كله عجز وقصور، وأن خيراته مكدّرة بالشرور. وأن لا ملجأ إلّا ذلك الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤًا أحد. فَتَجِيءُ المعوذتان بعد الإخلاص مبينتين لذلك الالتجاء الذي هو من تمام التوحيد.
ولأجل هذه المناسبة والارتباط بين السور الثلاث جمع بينهنَ التَسْمِيَةِ، ففي الصحيح عن عائشة- رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينفث عن نفسه بالمعوذات وسياق النسائي لحديث عقبة بن عامر المتقدم أن رسول الله