فبيّن - صلى الله عليه وسلم - أن خيريتهما وأفضليتهما من جهة ما تشتملان عليه من معنى التعوذ وهو من المعاني الداخلة في دائرة ما كلفنا الله به.
ولهاتين السورتين خصوصية غير المناسبات التي يذكرونها في ارتباط بعض السور بالبعض ويستخرجون منها بالتدبر ما لا يحصى من الأنواع وهذه الخصوصية هي ختم القرآن بهما، وهما كالسورة الواحدة. فما هي الحكمة في ختم القرآن بهما؟ وترتيب السور توقيفي ليس من صنيع جامعي المصحف كما ذكره السيوطي في الإتقان وجماعة.
يستطيع ممارس القرآن ومتدبره ومتلقيه بالذهن المشرق والقريحة الصافية أن يستخرج من الحكم في هذا الختم بهما أنواعًا ولكن أجلاها وأوضحها أنهما ختم على كنوز القرآن في نفس المؤمن. وتحصين لهذه النعم المنشالة من القرآن عليه أن يكدِّرها عليه كيد كائد أو حسد حاسد، فإن من أوتي الشيء الكريم ورزق النعمة الهنية هو الذي تمتدُّ إليه أيدي الأشرار وألسنتهم بالسوء وتقذفه عيونهم بالشرر وتتطلع إليه نفوسهم بالحسد والبغضاء ويشتد عليه تكالبهم سعيًا في سلبه منه أو تكديره عليه وبقدر النعمة يكون الحسد، وعلى مقدار نفاسة ما تملك تكون هدفًا لمكائد الكائدين وتأتيك البلايا من حيث تدري ولا تدري ومن أوتي القرآن فقد طوى الوحي بين جنبيه وأوتي الخير الكثير، فهو لذلك مرمى أعين الحاسدين ومهوى أفئدة الكائدين فكان حقيقًا وقد ختم القرآن حفظًا أو مدارسة أو تلاوة أن يلتجىء إلى الله طالبًا منه الحفظ والتحصين من شر كل كيد وحسد يصيبه على هذا الخير العظيم الذي كمل له وهذه النعمة الشاملة التي تمت عليه هذه حكمة.
وأخرى وهي أن من أوتي القرآن وتفقّه فيه فقد أوتي الحكمة وفصل الخطاب وأحاط بالعلم من أطرافه وملك كنزه الذي لا ينفذ. وان من آفات العلم اغترار صاحبه به وقد يتمادى به الغرور حتى يسول له أن ما أوتيه من العلم كاف في وقايته من الأضرار ونجاته من الأشرار فكان من رحمة الله