لتكون شهادة لها وعنوانًا عليها. والألسنة تراجمة القلوب فكان ممّا شرع الله لنا في كتابه وعلى لسان نبيه التعوذ باللسان من الشر والباطل وأنزل الله عليه هاتين السورتين وفيهما الاستعاذة بالله من أنواع من الشرور هن أمهات لما عداهن. وكان نبينا عليه السلام يكثر التعوذ بالله وكلماته من أنواع أخرى من الشرور مفصلة في صحاح السنة.
أما السورتان فيكفي في فضلهما ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألم تر آيات أنزلت الليلة لم يُر خير منهن قط قل أعوذ بربّ الفلق وقل أعوذ برب الناس». وفي رواية أخرى في مسلم عنه تسميتهما بالمعوذتين، وفي رواية أبي أسامة في مسلم أيضًا وصف عقبة بن عامر بأنه كان من رفعاء أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -. فتسمية هاتين السورتين بالمعوذتين تسمية نبوية مأثورة كأسماء جميع سور القرآن وقد يقال المعوذات ويراد بها ما يشمل سورة الإخلاص. وكفى بما فيها من أصول العقائد معاذًا من الشرك وهو أصل الشرور كلها ..
وحديث مسلم هو أصح ما ورد في نزولهما وأما ما يذكر في نزولهما في قصة سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن ذلك لم يصح سببًا لنزولهما. وإن كان لقصة السحر وصاحبها لبيد بن الأعصم أصل ثابت في الصحيح وقد تساهل كثير من المفسرين في حشر هذا السبب في تفسيرهما وفي حشر كثير مما لم يصح في فضائلهما ولنا فيما صح غنية عما لم يصح.
وهذه الخيرية التي أثبتها لهما حديث عقبة عند مسلم هي خيرية نسبية في ناحية مخصوصة. وهي ناحية التعوذ بهما من الشرور العامة والخاصة المذكورة فيهما ودليل هذه النسبية ما أخرجه النسائي في سننه عن ابن عابس الجهني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له يا ابن عابس ألا أدلّك أو ألا أخبرك بأفضل ما يتعوذ به المتعوذون قال بلى يا رسول الله، قال قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس هاتين السورتين.