فهذا الأصل العظيم الذي قرره مالك- رحمه الله- وهو أن ما تركه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- مع قيام المقتضي فالدين تركة- وبينه أبو إسحاق الشاطبي- قد رأيت تقريره والاستدلال له والتفريع عليه من جماعة غير مالكية كابن السمعاني والقسطلاني الشافعيين وابن القيم الحنبلي والشيخ بخيت الحنفي مع تطبيق هذا الأخير له على عين مسألتنا. فلم ينفرد به مالك من أئمة الاجتهاد والفتوى ولا أبو إسحاق الشاطبي من أئمة الأصول والنظر نقول هذا لأن المتأولين للبدع والمنكرات- مثل فضيلته- أصبحوا وكأنهم يتبرمون بقول مالك وشدته فيها ويحاولون التملص إلى أقوال ولو لم تكن منزلة قوله في الاستدلال والنظر حتى زعم فضيلته أن لمالك مخالفين في القراءة عند التشييع وجاء لهم بمدرك حاول أن يهدم به هذا الأصل العظيم. أما أبو إسحاق الشاطبي فقد صار يوصم عند بعض أنصار البدعة والمتأولين لها بالشذوذ وما ذنبه عندهم إلا نصرته للسنة بكتابه الفريد. في بابه كتاب (الاعتصام) وبفصول من كتابه الفريد الآخر كتاب (الموافقات).
ولقد كنا أيام الطلب بجامع الزيتونة- عمره الله- نسمع من شيوخنا كلهم الثناء العاطر على هذا الكتاب وصاحبه وكانت له عندهم منزلة عظيمة. وأحسن الدروس في المناظرات الامتحانية هو الذي رصعه صاحبه بكلام الشاطبي وأحسن فهمه وتنزيله فليت شعري ماذا يقول المتأولون للبدع والمنكرات- مثل فضيلته- فيه اليوم وقد أصبح حجة للمصلحين.
وقد بلغني أن كتاب (الموافقات) قد قرر تدريسه بالجامع - عمره الله- وأن الذي يدرسه للشيوخ هو الشيخ عبد العزيز جعيط أحد المفتيين المالكيين والمترشح- فيما يظهر- لمشيخة الإسلام بعد عمر طويل- إن شاء الله- لشيخ الإسلام الحالي، ولعله مر في درسه