وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فاستخرت الله- تعالى- وحررت لكم هذا الجواب في مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، غير قاصد- علم الله- شخص أحد بالتقص، ولا خارج بعون الله- تعالى- عن جادة الفهم من دلالة الظاهر والنص، والله أسأل أن ينفع به المسترشدين ويهدي به في المعاندين ويفت به أعضاء المفسدين آمين.
المقدمة في وجوب الأدب مع النبي- صلى الله عليه وسلم- إجماعا وأبدا وعلى كل حال:
أجمع علماء الملة من جميع الفرق على وجوب الأدب مع النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- حيا وميتا كما يجب الإيمان به حيا وميتا للنصوص القطعية في ذلك كقوله تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} الآية. وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} الآية. وعلى هذا كانت سيرة السلف الصالح معه- عليه الصلاة والسلام- في الحياة وبعد الممات. روى الترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- كان يخرج على أصحابه من المهاجرين والأنصار وهم جلوس فيهم أبو بكر وعمر- رضي الله عنهما- فلا يرفع أحد منهم إليه بصره إلا أبو بكر وعمر فإنهما كانا ينظران إليه وينظر إليهما ويتبسمان إليه ويبتسم إليهما. وجاء من غير وجه أن أصحابه كانوا حوله كأنما على رؤوسهم الطير حتى كانوا من تعظيمه وتوقيره يهابونه فلا يسألونه فيحبون أن يأتي الأعرابي الجاهل فيسأله، ولما ناظر أبو جعفر المنصور مالكا في المسجد النبوي ورفع صوته، قال له مالك: لا ترفع صوتك