الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ التِّبْرِيزِيُّ ثُمَّ الْحَرَّانِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ
أَصْلُهُ مِنْ بُخَارَى، وَمَوْلِدُهُ بِحَرَّانَ، وَمَنْشَؤُهُ، وَاشْتِغَالُهُ بِدِمَشْقَ.
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ، وَلِيَ قَضَاءَ عَجْلُونَ، وَقَضَاءَ صَفَدَ، وَقَضَاءَ سَلَمِيَّةَ، وَأَنْشَأَ خُطَبًا بَدِيعَةً، وَلَهُ نَظْمٌ رَائِقٌ، وَشَكْلٌ مَهِيبٌ.
أَنْشَدَنَا الْقَاضِي عَبْدُ الْقَاهِرِ لِنَفْسِهِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِ مِائَةٍ:
كَمْ بَيْنَ بَانِ الأَجْرَعِ وَرَامَةٍ وَلَعْلَعِ ... مِنْ قَلْبِ صَبٍّ مُوجِعٍ سَكْرَانَ وَجْدٍ لا يَعِي
تَرَاهُ مَا بَيْنَ الْحُلَلِ جَرِيحَ أَسْيَافِ الْمُقَلِ ... فَارْفُقْ بِهِ وَلا تَسَلْ عَنْ قَلْبِهِ الْمُضَيَّعِ
وَدَّ الْحِمَى فَأَخْلَصَا إِذْ حَقُّهُ قَدْ حَصْحَصَا ... فَوُدُّهُ أَنْ يَخْلُصَا مِنَ الْحَضِيضِ الأَوْضَعِ
إِلَى الْمَقَامِ الأَوَّلِ وَمَعْهَدِ الأُنْسِ الْحَلِي ... وَالْمَرْبَعِ السَّامِي الْعَلِي سُقْيًا لَهُ مِنْ مَرْبَعِ
رَحَلْتُ عَنْ ذَاكَ الْفَضَا لا بِاخْتِيَارِي وَالرِّضَا ... فَيَا زَمَانًا قَدْ مَضَى إِنْ عَادَ مَاضٍ فَارْجِعِ
وَارْكَعْ إِذَا اللَّيْلُ دَجَى رُكُوعَ خَوْفٍ وَرَجَا ... وَعُدَّ فِي سُفْنِ النَّجَا إِلَى الْفَضَاءِ الأَوْسَعِ
عَلَيْكَ بِالتَّهَجُّدِ وَقُمْ طَوِيلا وَاسْجُدِ ... وَبِتْ نَدِيمَ الْفَرْقَدِ وَاشْرَبْ كُئُوسَ الأَدْمُعِ
قِفْ عِنْدَ حُكْمِ الْمُصْحَفِ مِنْ غَيْرِ مَا تَحَرُّفِ ... وَلا تَخُضْ وَقَعْتَ فِي أَقْوَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ
فَإِنَّهُ كَلامُهُ أَعْيَا الْوَرَى نِظَامُهُ ... وَبَهَرَتْ أَحْكَامُهُ الْغُرُّ جَمِيعَ الشِّيَعِ
مِنْهُ كَمَا جَاءَ بَدَا فَكُنْ بِهِ مُعْتَضِدَا ... وَلا تُجَادِلْ أَحَدًا فِي آيَةٍ وَارْتَدِعِ
وَلا تُأَوِّلْ مَا وَرَدْ للَّهِ مِنْ سَمْعٍ وَيَدْ ... وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدْ قَوْلَ امْرِئٍ مُتَّبِعِ
وَإِنَّهُ عَزَّ وَجَلّ كَلَّمَ مُوسَى ذَا الْوَجَلْ ... لَمَّا تَجَلَّى لِلْجَبَلْ جَهْرًا كَلامًا مُسْمِعِ
أَصْغَى إِلَيْهِ فَوَعَى بِأُذْنِهِ مَا سَمِعَا ... ثُمَّ أَجَابَ مُسْرِعًا جَوَابَ ثَبْتٍ أَرْوَعِ
وَلا تُوَافِقْ مَنْ غَوَى وَقُلْ بِأَنَّ ذَا الْقُوَى ... حَقًّا عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كَمَا أَرَادَ فَاسْمَعِ