مَعَهُمْ طَسْتٌ منْ ذَهَبٍ مَمْلُوءٌ ثَلْجًا، فَقَبَضُوا عَلَىَّ مِنْ بَيْنَ الغِلْمَانِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلكَ الغلْمَانُ انْطَلقُوا هُرَّابًا، ثُمَّ رَجَعُوا فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ النَّفَرِ: إِنَّ هَذَا الغُلاَمَ لَيْسَ مِنَّا وَلاَ مِن الْعَرَبِ، وَإِنَّهُ لاَبْنُ سيِّدِ قُريْشٍ وَبَيْضَةِ المَجْدِ، وَما مِنْ حَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ إِلَّا لآبَائِهِ فِى رِقَابِهمْ نِعْمَةُ مُجلَّلَةٌ فَلاَ تَصْنَعُوا بِقَتْلِ هَذَا الغُلاَمِ شَيْئًا، فَإِنْ كُنْتُمْ لاَ بُدَّ قَاتِلِيهِ فَخُذُوا أَحَدَنَا فَاقْتُلُوُه مَكَانَهُ، فَأَبَوْا أنْ يَأخُذُوأ عَنِّى فِدْيَةً، فَانْطَلَقُوا وَأَسْلَمُونِى فِى أَيْدِيهِمْ، فَأَخَذَنِى أَحَدُهُمْ، فَأَضْجَعَنِى إِضْجَاعًا رفيقًا وَشَقَّ مَا بَيْنَ صَدْرِى إِلَى عَانَتِى، ثُمَّ اسْتَخْرَجَ قَلْبِى فَصرَمَهُ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مُضْغَةً سَوْدَاءَ مُنْتِنَةً فَقَذَفَهَا ثُمَّ غَسَلَهُ فِى تلْكَ الطّسْتِ بِذَلكَ الثَّلْجِ ثُمَّ رَدَّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ الثَّانِى فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِى إِلَى عَانَتِى، فَالْتَأَم ذَلِكَ كُلُّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ الثَّالثُ وَفى يَدِهِ خَاتَمٌ لَهُ شُعَاعٌ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفِىَّ وَثَدْيَيَّ، فَلَقَدْ لَبثْتُ زَمَانًا منْ دَهْرِى وَأَنَا أَجِدُ بَرْدَ ذلكَ الخَاتَم، ثُمَّ انْطَلَقُوا وَأَقْبَلَ الحىُّ بِحَذافيرِهمْ، فَأَقْبَلتُ مَعَهُمْ إِلَى أُمِّى الَّتِى أَرْضَعَتْنِى، فَلَمَّا رَأَتْ مَا بِى أَلْزَمَتْنِى وَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ قُتِلْت: لوحدَتكَ وَلِيُتْمِكَ وَأَقْبَلَ الحَىُّ يُقَبِّلُونَ مَا بيْنَ عَيْنَى إِلَى مَفْرق رَأسى، وَيقُولُونَ، يَا مُحَمَّدُ: قُتِلتَ لوحَدتكَ وَليتمك احْمِلُوهُ إِلَى أَهْلِهِ، لاَ يَمُوتُ عِنْدَنَا، فَحُمِلْتُ إِلَى أَهْلِى، فَلَمَّا رآنى عَمِّى أَبُو طَالبٍ قَالَ: والَّذِى نَفْسى بيَده، لاَ يَمُوتُ ابْنُ أَخِى حَتَّى تَسُودَ بِه قُرَيْشٌ جَمِيعَ الْعَرَبِ، احْمِلُوهُ إِلَى الكَاهِنِ، فَحُمَلْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رآنِى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، حَدِّثْنِى مَا رَأَيْتَ، وَمَا صُنَعَ بِكَ، فَأَنْشَأتُ أَقُصُّ عَلَيْهِ القَصَصَ، فَلَمَّا سَمِعَهُ وَثَبَ عَلَىَّ وَالْتَزَمَنى، وقَالَ: يَا لَلْعَرَبِ، اقْتُلُوهُ، فَوَالَّذى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَئِنْ بَقِىَ حَتَّى بَلَغَ مَبَالِغَ الرِّجَالِ لَيَشْتُمَنَّ مَوْتَاكُمْ، وَلَيُسَفِّهَنَّ رَأيكُمْ، وَلَيَأتيَنَّكُمْ بِدِينٍ مَا سَمِعْتُمْ بمثْلهِ قَطُّ، فَوَثَبَتْ عَلَيْه أُمِّى الَّتى أَرْضَعَتْنِى، فَقالَتْ: إِنْ كَانَتْ نَفْسُكَ قَدْ غَمَّتْكَ، فَالْتَمِسَ لَها مَنْ يَقْتُلُهَا، فَإنَّا غَيْرُ قَاتِلِى هذَا الْغُلاِمِ، فَهَذَا بَدْءُ شَأنى وَحَقِيقَةُ قَوْلَى، فَقالَ العَامِرِىُّ: فَمَا تَأمُرُنِى يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: آمُرُكَ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَتُصَلِّىَ الخَمْسَ لِوقْتِهِنَّ، وَتَصُومَ شَهْرَ رَمَضانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَتُؤَدِّىَ زَكَاةَ مَالِكَ. قَالَ: فَمَا لِى إِنْ فَعَلتُ ذلِكَ؟ قَالَ: جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِى منْ تَحْتِها
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute