للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُ نَبَأً وَمَجْلسًا، فَاجْلِسْ، فَثَنِى رِجْلَهُ وَبَرَكَ كَما يَبْرِكُ البَعِيرُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَا أَخَا بَنِى عَامِرٍ: إِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِى وَبَدْءَ شَأنِى: دَعْوَةُ أَبى إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى أَخِى عِيسَى ابْن مَرْيَمَ، وَإِنِّى كنْتُ بِكْرَ أُمِّى، وَإِنَّها حَمَلَتْنِى كَأَثْقَلِ مَا تَحْمِلُ النِّساءُ حَتَّى جَعَلَتْ تَشْتَكِى إِلَى صَوَاحِبَها ثِقَلَ مَا تجِدُ، وَإِنَّ أُمِّى رَأَتْ فِى الْمَنامِ أَنَّ الَّذِى في بَطنِهَا نُورٌ، قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أُتْبِعُ بَصَرِى النُّورَ، فَجَعَلَ النُّورُ يَسْبِقُ بَصَرِى حَتَّى أَضاءَ لِى مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَها (ثُمَّ إِنها ولدتنِى) فَلمَّا نَشَأتُ بُغِّضَتْ إِلىَّ الأَوْثَانُ وَبُغِّضَ إِلَىَّ الشِّعْرُ وَاسْتُرْضِعَ لِى فِى بَنى جشم بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَمَا أَنَا ذاتَ يَوْمٍ فِى بَطْنِ وَادٍ مَعَ أَتْرابٍ لِى مِنْ الصِّبْيَانِ إِذْ أَنا بِرَهْطٍ ثَلاَثَةٍ، مَعَهُمْ طَسْتٌ منْ ذَهَبٍ مَلآنُ (نُورٌ) وَثَلجٌ، فَأَخَذُونى مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِى، وَانْطَلَقَ أَصْحابى هُرَّابًا حَتَّى انْتَهُوا إِلَى شَفِيرِ الوَادِى، ثُمَّ أَقْبَلُوا عَلَى الرَّهْطِ فَقالُوا ما لَكُمْ ولِهَذَا الْغُلاَم؟ إِنَّهُ غلاَمٌ لَيْسَ مِنَّا وَهُو (مِنْ بَنِى) سيّد قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْتَرْضَعٌ فِينَا، غُلاَمٌ يَتيمٌ لَيْسَ لَهُ أَبٌ، فَمَاذَا يَرِدُ عَلَيْكُمْ قَتْلُهُ، وَلئنْ كُنْتُمْ لاَبُدَّ فَاعِلِينَ، فَاخْتَارُوا منَّا أَيَّنا شِئْتُمْ، فَلْيَأْتِكُمْ فَاقْتُلُوهُ مَكَانَهُ وَدَعُوا هَذَا الْغُلاَمَ، فَلَمْ يُجِيبُوهُمْ، فَلَمَّا رَأَى الصِّبْيَانُ أَنَّ القَوْمَ لاَ يُجِيبُونَهُمْ انْطَلقُوا هُرَّابًا مُسرِعِينَ إِلَى الحَىِّ يُؤْذنُونَهُمْ بهِ وَيَسْتصْرخُونَهُمْ عَلَى القَوْم، فَعَمَدَ إِلَىَّ أَحَدُهُمْ، فَأَضْجَعَنِى إِلَى الأَرْضِ إِضْجَاعًا لَطِيفًا، ثُمَّ شَقَّ مَا بَيْنَ صَدْرِى إِلَى مَتْنِ عَانَتِى وَأَنَا أَنْظُرُ فَلَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ مَسّا، ثُمَّ أَخْرَجَ (أَحْشَاءَ) بَطْنى فَغَسَلَهُ بِذَلِكَ الثَّلجِ، فَأَنْعَمَ غَسْلَهُ، ثُمَّ أَعَادَهَا مَكَانَهَا، ثُمَّ قَامَ الثَّانِى فَقالَ لصاحِبِه تَنَحَّ، ثمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِى جَوْفِى فَأَخْرَجَ قَلبى وَأَنَا أَنْظُرُ فَصَدَعَهُ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مُضْغَةً سَوْدَاءَ فَرَمَى بِها ثُمَّ قَالَ: بِيَدِهِ (يَمِنَة مِنْهُ) كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا، فَإذَا أَنا بِخَاتَمٍ فِى يَدِهِ مِنْ نُورٍ (نُورِ النُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَة) يَخْطفُ أَبْصَارَ النَّاظِرينَ دُونَهُ، فَخَتَمَ قَلْبِى فَامْتَلأَ نُورًا وَحِكْمَةً، ثُمَّ (أَعَادَه) مكَانَهُ فَوَجَدْتُ بَرْدَ ذَلِكَ الخَاتَم فِى قَلْبِى دَهْرًا، ثُمَّ قَامَ الثَّالِثُ فَنَحَّى صَاحِبَيْهِ فَأَمَرَّ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيىَّ (وَصَدْرِى) وَمُنْتَهَى عَانَتى، فَالْتَأَمَ ذَلكَ الشِّقُ بإذْنِ الله تعَالَى، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِى فَأَنْهَضَنِى مِنْ مَكَانِى إِنْهَاضًا لَطيفًا، فَقَالَ الأوَّلُ لِلَّذِي شَقَّ بَطْنى زِنُوهُ بِعَشَرَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنُونِى فَرَجَحْتُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: زِنُوهُ بِمِائَةٍ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنُونِى

<<  <  ج: ص:  >  >>